adsense

2016/10/12 - 2:36 م


بقلم الأستاذ حميد طولست



إن الأحزاب السياسية في دول المؤسسات، تسير اللعبة السياسية بطريقة سلسلة بين فرقائها السياسيين، الذين يتمظهرون كمؤسسات لا كـأشخاص… أحزاب أغلبية ، تعمل بالوسائل والطرق الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين للوصول إلى الحكم لتحقيق برامج تستهدف الإسهام في تحقيح التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد ، ومعارضة تشتغل على انتقاد الأغلبية، ليس بسبها ووصفها بما يظهرها كعاجزة أمام الناخبين الذين صوتوا عليها-كما هو حالنا- ولكن من أجل دفعها لخدمة الصالح العام وبناء للوطن ، ومواطنون هم أساس شغل الفريقين ، كما تفرضه العقلانية والواقعية السياسية ومنهجية الاعتدال المستنير والحداثة المدنية ، والرغبة في تحقيق الاهداف والغايات الكبرى ..
لاشك أن هذا النموذج هو الصورة المثالية للعمل السياسي الهادف الذي يجب أن تتلاقى عندها الأحزاب الوطنية جميعها وتتحاذى في الكثير من مناحيها لتنمية الوطن وترقية المواطن ماديا معنويا ، والتي يبقى من الصعب تنزيلها إلى أرض الواقع ، في ظل قتامة الأوضاع السياسية التي تعيشها أحزابنا ، التي يظن ،مع الأسف، كل منها أن له وحده الهيمنة شبه المطلقة على المواطنين ، لا يختلف في ذلك المعتدل عن الراديكالي، السلفي عن الأصولي إلا بمقدار اختلاف استراتيجيات العمل من أجل الانقضاض على السلطة، ومصادرتها والاستفراد بها، ومن ثم البطش بكل المختلفين وسحقهم جميعا.
إنها فعلا لصورة مثالية للعمل السياسية الذي لا يصعب تنزيلها على ارض الواقع فقط ، بل يستحيل تطبيقها في ميدان سياسي مسخته الظواهر السلبية المفعمة بالتناقضات والاختلالات المستحدثة الغريبة ، وميعت مشهده مظاهر الخلط والعشوائية المتشابكة الخطوط والألوان ، التي تداخل فيها اليمين في اليسار، والاعتدال في التطرف، والليبرالي في الظلامية ، فأضحت لوحة سريالية ، موشحة بمسوح الديمقراطية المزيفة ، ومظاهر التدين المدسوس بسم الخداع والمخاتلة... والمزينة بشعارات التغيير والإصلاح وأماني الرفاه المكذوبة ، المحمولة على ظهر الأيديولوجيات الباهتة المفتعلة للصراعات الجانبية والمعارك الهامشية، والخلافات الواهية، وتوزيع الاتهامات الزائفة ، خلال النقاشات والخطب الشعبوية، والمهاترات السياسوية ، والتصريحات السفسطائية الصحفية والإعلامية ، المرتكزة في غالبيتها على إشغال المواطن عن قضاياه الرئيسة وهمومه اليومية وتطلعاته المستقبلية ، كما يبدو ذلك بوضوح سافر لمن يتابع ممارسات الفاعلين السياسيين ، خلال الحملة الإنتخابية للسابع من أكتوبر التي انتهت قبل أيام ، والتي على ما يبدو أنها - وبدون مبالغة أو مزايدة – لم تكن سوى صراعات سياسوية لا علاقة لها بمصالح الوطن ولا بمعالجة قضايا المواطن ، ولا شأن لها بتلبية حاجياته الآنية في الشغل والصحة والتعليم والسكن والحرية ، والعيش الكريم، ولم تهتم بترقيته او الرفع من مستوى الثقافة السياسية لدى المواطن . لأنها بكل بساطة، مجرد وسيلة استخدمتها أطراف متناحرة لأبتزاز أصوات المواطنين والاستفراد بالوطن الذي يعيش تحت وطأة الأزمات المفتعلة، ما يستدعي تدخل الوطنيين الشرفاء ، للوقوف بهمة وحزم في وجه مجريات هذا الانقسام والتشرذم وتداعياته، المشتتة للوقت والجهد ، والمبددة للموارد المالية والبشرية ، والمقلصة لفرص التوافق والسلام ، وإعادة ماردها الهائج إلى قمقمه، حتى لا يستفحل أكثر مما هو عليه ، ويجرف الأخضر واليابس.. لأن الوطن ملك الجميع وهو فوق كل الفوارق والرؤى الضيقة والأجندات السياسية الإنتخابوية ، وأمن وسلامة المواطن هي مسؤولية وطنية كبيرة، وأمانة تاريخية مشتركة ، تتحملها كافة الأطراف التي يجب أن تلتحم كتلها، وتترفع أحزابها عن سفاسف الأمور، وتتوقف عن هذا الانتحار السياسي المريع، وتوجه كل مجهوداتها نحو ضمان سلامة وتنمية الوطن والمواطن .