adsense

2016/10/08 - 7:05 م


بقلم الأستاذ حميد طولست


إن شعبا كريما كالمغرب، قدم العديد من التضحيات، وقدم الكثير من النضالات،  ليستحق أن يحظى بمرشحين في مستوى تضحياته ونضالاته، معروفين بمواقفهم السياسية الثابتة، حزبيون كانوا بانتماءاتهم المتينة أو مستقلين خاضوا معارك حقوقية وكفاحات نضالية من أجل الحريات العامة ومكافحة الفساد، وتحقيق دولة الحق والقانون، أقوياء بوطنيتهم، يتحملون مواقفهم بكل شجاعة وجرأة، يجتهدون لحل معضلات البلاد و التخفيف من معاناة العباد، حسب أجندة واضحة المعالم، وبرامج محسوبة المرامي تؤسس لتجربة سياسية حقيقية، تجلب الرخاء والنماء ، وتكرس المكتسبات ، بالنضال الصادق المستميت داخل المجالس المنتخبة وخارجها، بكل الطرق السلمية والمشروعة طبعا .
فهل ستسفر ظاهرة ترشح من هب ودب لتسيير الشأن العام في بلادنا ، عن نوعية من المرشحين تؤمن بأن الترشح مسؤولية ومعارك و تضحيات، وليس عبثا سياسيا، ولا قدرات مالية لفلان أو فلان، ولا هو مجرد علاقات اجتماعية، و روابط أسرية، وليس مجرد تدينا ولحى وحجاب وطيبة تعامل، وإنما هو أمانة واستقامة ودربة سياسية وشخوص نزهاء مخلصين، لا يستسلمو ولا يخنعون ولا يركعون إلا لله ، ولا يخشون في ومحاربة الفساد والمفسدين لومة لائم.
أمر تتناسل الأسئلة الحرجة حوله ، وتتدفق التساؤلات المقلقة أمام هذا التدافع المدهش ، والتهافت الغريب ، الذي بلغ حد الاقتتال بين أشخاص مجهولي الهوية والتاريخ ، باهتي الانتماء، لا رصيد نضالي أو سياسي أو اجتماعي لهم، و لا يحملون أدنى زاد من الثقافة والمعرفة أو السياسة، التي هم فيها أفرغ من أفرغ من فؤاد أم موسى ، أو أفرع من صناديق الانتخابات كما كانت قبل يوم الاقتراع ،  تدفعهم لذلك كا رسخته الأحداث المعاشة، والوقائع المشاهدة في الوعي الاجتماعي العام، على أن الترشيح للانتخابات يرفع من قيمة الفرد، وينقل الكثيرين من أحوالهم البسيطة أو البئيسة ، إلى أحوال النفوذ والرفاه ، ما جعل لعاب الكثيرين ممن لا شغل لهم ولا مشغلة – ولا أقصد هنا المعطلين الذين من بينهم الكثير ممن يستحقون تلك المقاعد – تسيل بغزارة للترشح لمجالس ، يُظن أنها سايبة وبدون رقيب ولا حسيب، ولا تتطلب شواهد عليا، ولا كفاءات خاصة ، ولا حتى معرفة بالسياسة ودهاليزها ،  ويكفي لوصول أي راغب في ولوجها  ، أن يتوفر على قدرا من المال ، حلالا أو حراما لايهم ، ويحصل على تزكية من أي حزب كان -وهي متوفرة في كل مكان ولها سماسرتها وتباع حتى في المقاهي- ثم يملأ الدنيا بزعيق الشعارات الهلامية الرنانة المدغدغة لمشاعر الناس والمرتكزة في مجملها على الأماني البسيطة والأحلام البعيدة عن واقع الأحوال ، وها هو في مجلس يمثل مواطنين لا يعرفونه ولا يعرفهم .
ما جعل التسيب الإنتخابي يصل إلى أعلى درجات السفه واللامنطق ،إلى درجة يصاب معها المواطن السليم المعافى بالدوخة والدوار، حين لا تقع عينه في لوائح هذا الاجتياح الهائل وذاك الزحف العظيم ، على اسم مرشحين واحد يعرف صاحبه ، حتى لو كان ممن تقدموا لتمثيل الدائرة التي تسكنها!. هل هي فعلا ظاهرة صحية في مصلحة الوطن والمواطنين ، كما يدعون؟ وتعبير صريح عن حيوية الحركة السياسية في البلاد ، ودليل على تطوع المواطنين الصادق للمشاركة الفعلية والفعالة في خدمة الوطن والمواطنين ، كما يفترون؟ أم أن المسألة لا تتعدى  مجرد مغامرة وتجريب الحظ تبعا لقاعدة :"إلى جات ولينا من أعيان البلاد، وإلى مشات ما خسرنا والو، و تشهرنا بين الناس" ، أم هي زوبعة يراد من ورائها مجرد تحريك الجو السياسي الراكد، حتى يقال عنا أننا في بلد ديمقراطي.
وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك ، فما الذي حدا بهذا الجيش العرمرم للطمع في هذا المناصب المقدس، بدون كفاءة ولا منهجية متكاملة ولا استراتيجية رصينة ؟ أهو إستسهال العمل النيابي وابتذاله ؟ أم هو عزوف النخب الوطنية الرزينة عن المشاركة المكتفة في الاستحقاقات التي تُمكن من لا يستحق من فرص الفوز؟ أم هي قلة محاسبة ومراقبة الشعب للمنتخب على أخطائه التي تفوت على البلاد فرص النمو والازدهار؟.
لا شك أن المواطن عندنا غير مزود بمناعة ضد تصديق المرتزقة والأفاقين والطماعين في خزائن المال العام ليعبثوا فيه ويطغون به ويتجبرون حتى يستحيل لجمهم ، ولكن المواطن بدأ يصحو من غفوته ، ولم تعد تنطلي عليه بعض الحيل والخدع رغم مكرها، وأصبح يفطن بسهولة على من يصدقه القول، ومن يكذب وينافق، ويرفض لامحالة الرشاوى مهما تعددت إغراءاتها ، وتنوعت وسائلها وطرقها، من "تدويرات" وزرود ، ويواجه مرتزقة الانتخابات بشعار واحد وموحد :"المواطن ليس للبيع رغم حالات الفقر، وإرادته لا ولن تقهر أبدا " ويمنح ثقته للطاقات المخلصة فيه من كوادر وطنية متوفرة بكثرة في كل المجالات .