adsense

2023/01/29 - 10:18 ص

بقلم عبد الحي الرايس

بين مِعْماريٍّ أجنبيٍّ وَفَدَ على فاس فعشِقها، وهَامَ بها، واختار الإقامة فيها، وآثرَ الذَّوْدَ عنها، وإهْداءَ إبداعاتِه لها، وتحقيقَ أحْلامِه فيها، تَرافعَ بشراسَةٍ عن كُلِّ إساءةٍ وإخْلال، وطالب بكل ما يُضفي البهاءَ ويُحقق التوازن في المجال، وأقام على العهد إلى أن فارق الحياة.

وآخرَ من أهاليها، انْحاز إلى ذوي النفوذ ومُضارِبي العقار بِها، وما فتئ يُسَوِّغُ التجاوزاتِ والاستثناءاتِ فيها.

فأيُّ عُقوقٍ من هذا؟ وأيُّ وفاءٍ من ذاك؟

أما تجلياتُ العقوق فقد أبْرزتْها أزقةُ داراتٍ ظلتْ على ضِيقها رغم أن تنطيق التهيئة أحالها إلى عمارات، وطرقٌ دائريةٌ تبدأ عريضةً فسيحة، وتنتهي بِعُنُق زُجاجة، فلم يُلْتَفَتْ إليها، ولم يُلْقَ لها بال، وأراضٍ زراعيةٌ خصبة ضُمَّتْ إلى حضريِّ المَدار، وكان حَرِيّاً بها أن تُؤثَّثَ بِالاِخْضرار، حتى تُعِيدَ التوازنَ للمجال، فاختير لها أن تُرْصَدَ لِلْمِعْمار.

وأما مظاهرُ الوفاء، ففضْحٌ للتجاوُزاتِ والاستثناءات، وتنديدٌ بالأخطاء والمُغالَطات، وطرْحٌ لبدائلَ تُعالِجُ الاختلالات، وتُعيدُ التوازنات: أرصفةٌ وساحاتٌ فسيحةٌ مُستويةٌ مُعْتنَى بها، وولوجياتٌ منها وإليها، وحدائقُ قُرْبٍ لمُختلِف فئاتِ الأعمار، ومساراتٌ مؤنِسةٌ آمنةٌ تَصِلُ بين حديثِ المدينةِ وأصيلِ الدِّيار، وتجهيزاتٌ بِيئيَّة وثقافيةٌ وفنيةٌ ورياضية، تُسْهم في التنشئة، وتُغْرِي بالإقامة، وتَسْتقطِبُ السياح والزوار، وأوديَةٌ تَعْبُرُ المدينة في صفاءٍ ورُوَاء.

وعلى سِكَّةِ هذا أهَالٍ وطليعةٌ مُجْتمَعِيَّةٌ تَسْتحضرُ دَوْماً صورةَ فاس البهية الخضراء، وتتوقُ إليها مُسْتدامَة فَيْحَاء، يتناغمُ فيها الأصيلُ مع الحديثِ في رِيَادةٍ وإبْداع.

ومع ذاكَ وخلْفَهُ مُدبِّرون بقراراتهم مُنفَردُون، عن الحكامةِ عازِفُون، وبالشراكةِ لا يُبالُون.

ولنْ يستقيمَ أمْرُ عاصمةٍ مُعْتدَّةٍ بِرَصِيدِها، غير مُسْتكينةٍ إلى الطارئ عليها، إلا بتصحيح المسار، والاحتكام إلى الشورى والعملِ بها في كل مَجال.