adsense

2023/01/30 - 9:27 ص

بقلم امال بنعبدالرسول

بين مطرقة التعقيدات الإدارية وسندان " الشيميو "

" وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير "، اتخذت من هذه الآية ملاذا حين ينهكني الداء، حين تشتد همومي وألامي، حين تتضاعف أحزاني ومتاعبي، كلما تلوتها وترددت على لساني، هانت عليَّ كل الصعاب .

بعد تشخيص الداء، تداول فريق الأطباء ( LE STAFF)  في حالتي، فقرروا أن أخضع لأربع  وعشرين حصة من " الشيميو ". وهنا، وبدون مبالغة، يمكن الاعتراف بأن جحيم الانتظار وثقل وتعقيد الإجراءات الإدارية لا يقل ألما وتعبا على الخضوع للهيب العلاج الكيمياوي. في بعض الأحيان، وحتى عندما ننتصر على الإجراءات الإدارية المتعددة والمعقدة، أجد نفسي مضطرة للانتظار لمدة تتجاوز مرات عديدة الخمس ساعات. وإذا كان للانتظار الطويل، وما ينجم عنه من إحساس بالضيق والملل، تأثير سلبي على الجانب الذهني والنفسي، فإن الأمر يبدو أكثر سوء بالنسبة لمن يعاين قاعة الانتظار التي يتم تجميع فيه المقبلين على الخضوع للشيميو.

سنفونية فريدة، تتضافر في الصدح بألحانها، أصوات متنوعة في أنينها، متفاوتة في صدى نحيبها. مرضى يتمسكون بمقعدهم، ليس لأنهم يتمتعون بقوة أكثر على التحمل، ولكن لأن الداء أنهكهم إلى درجة فقدانهم القدرة على الحركة. والمحظوظون منهم، وللغرابة! من يقوى على التمرغ على الأرض أملا في أن يخف عنه سعير ما يعتمل داخله من آلام.

  يحتاج العلاج الكيميائي إلى العديد من الأدوية والعقاقير، نذكر على الخصوص، velcade وzomita و Meyrin، فضلا عن دواء آخر لم أعد أتذكر اسمه،، يستعمل مقدما. وحسب ما علمت، ينحصر دوره في القيام بعملية كنس الأعضاء الداخلية بهدف تفادي التأثيرات السلبية للأدوية السابقة الذكر.

أحد الصعوبات الكبرى التي اصطدمت بها، وأنا في بداية تلقي حصص الشيميو، إضافة إلى ثقل المساطر والإجراءات الإدارية، أن الدواء VELCADE لم يكن يعوض من طرف كنوبس.

كانت مصالح المستشفى قد زودتني به خلال الحصتين الأوليتين. فحسبت، حينها، أن الأدوية والعلاجات المرتبطة بالسرطان مجانية، وبدون أي تعقيدات تثقل كاهل المرضى وذويهم، لكني، سأكتشف كم كنت ساذجة. لقد فوجئنا، فيما بعد، بالمستشفى تطالبنا بتعويضه، بعد زراعة النخاع، وإلا فلن أستفيد منه. (سوف أتحدث عن مرحلة زراعة النخاع فيما بعد). أمام هذا الوضع، اضطر زوجي أن يقتنيه من الصيدلية مقابل 12000 درهم. بعد مرتين متتاليتين، اضطررننا للتوقف بفعل الثمن المرتفع، ونظرا للإجراءات الإدارية المعقدة والمرهقة، ناهيك عن مسلسل الانتظار الذي لا ينتهي، وعن الاكتظاظ وصيحات الأنين والآلام التي لا تتوقف.

كنت أستمد وقود الصبر، والطاقة على التحمل، من إيماني القوي بالله رحمان الدنيا ورحيمها ، كما كنت أستمدها من دعم أفراد أسرتي، ومن العديد من الأحباء والأطباء الذين كنت أرى فيهم " جندا لله " يسرهم لي، جلت قدرته، ليكونوا لي نعم العون والسند في محنتي. لولا إيماني الراسخ، لولا أحبائي ووقفة العديد من الدكاترة معي، لكنت استسلمت للداء،  أتذكر هنا ما قاله العربي باطما، بعد أن أنهكه الداء، فقد اعترف بأنه فكر في الانتحار، لكنه عدل عنه وقال: " الانتحار قرار جبان، لكن تنفيذه يحتاج إلى شجاعة كبرى".

كانت الأفكار تتزاحم في ذهني، وكثيرا ما كان يستبد بيَّ اليأس حين تشتد آلامي، لكن حين أعاين أحوال الآخرين من المرضى، وأجد بأن هناك منهم من يعاني أضعاف ما أعانيه، يتجدد صبري وتتقوى عزيمتي على مواجهة الداء. على سبيل المثال، كانت حصتي مع العلاج الكيماوي وجحيمه تستغرق أحيانا حوالي النصف ساعة، في الوقت الذي كانت حالة البعض تستوجب مُددا قد تتجاوز ست ساعات.

هنا وأنا بين مخالب المعاناة، ظهرت ملاك للرحمة، هدية أخرى من اللطيف الرحيم، الدكتورة "ريم " التي فضلها، بعد الله، عليَّ كبير. لقد رفعت عني العديد من الأعباء التي كنت أواجهها، وأنا أطوف بين أجنحة المركب الاستشفائي، ومرافقه الإدارية. كانت ليَّ نعم الطبيبة الرحيمة، نعم الصديقة المُحبة. الإنسانة الرائعة التي لم تبخل عليَّ بأي شيء. لن أنسى صنيعها ما حييت بل وسأكون، يوم لقاء الله، شاهدة على نبلها وطيب خلقها. والله، إني أعتبرها مفخرة للوطن الحبيب، مفخرة لكل طبيب يزاول مهنته بمحبة وعطاء ورحمة. مهما قلت، لن أوفيها حقها. لقد جعلت المستحيل ممكنا، يسرت لي كثيرا من الأمور، وساعدتني على تخطي ثقل الإجراءات الإدارية وتعقيداتها، دون كلل ولا ملل. كانت جذعي الصلب، وكلما نظرت الى محياها خالجني شعور نبيل عوضني به ربي فشكرا ايتها الطيبة الفاضلة وستظل عباراتي لاتكفي حقك علي.

وبطبيعة الحال، ستأتي فرص أخرى، للحديث عن ناس آخرين، كانت لهم أيادي بيضاء عليَّ، وأنا أقاوم الداء وتبعاته.                                          

 يتبع ..