adsense

2023/02/02 - 10:00 ص

بقلم امال بنعبد الرسول

 " بركة كنوبس "

ليس هناك شيء عبثي في هذه الحياة. فكل ما نصادفه فيها يكون امتحانا لذواتنا واختبارا لقدرتها على المواجهة والصبر والجلد. الحمد لله، وعلى الرغم مما عشته وما عانيته، كنت أرى في معاناتي درسا في الصبر والعزيمة والإرادة والرضا. ويبقى الرضا بقضاء الله، من أحلى النعم التي أنعم بها عليَّ، كان بمثابة الطاقة الإيجابية التي تسري في كياني، والتي منها نستلهم معنى الصمود.

بعد الحصة الرابعة من الكيماوي، قرر الفريق الطبي أن اخضع لزراعة النخاع، وهو إجراء طبي يتم اللجوء إليه لحقن خلايا جذعية سليمة مكوِّنة للدم في الجسم، لتحل محل نخاع العظم العليل الذي لا ينتج الكميات الكافية من خلايا الدم السليمة. كان مما زاد من متاعبي ومتاعب أسرتي، أنني، وللاستفادة من هذا الإجراء الطبي الضروري، يجب أن أتنقل نحو مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء. وقفت حائرة حين أدركت أن مشوار محاصرة المرض ما يزال طويلا، وأني ملزمة بشد الرحال إلى مكان بعيد، سأكون فيه فريدة، وبذلك سينضاف إلى معاناتي مع الداء، المعاناة من الشعور بالغربة واليتم.

أكثر من هذا وذاك، سأجد نفسي في خضم زلزال قوي، كدت من هوله أن أموت من الشعور بالإحباط واليأس. فبعد أن تواجبت الدكتورة ريم مشكورة مع رغبتي في إمدادي بمعلومات حول النخاع الشوكي، وحول الحاجة إلى ضرورة التنقل نحو البيضاء، صدمتني إحدى المريضات التي سبق لها الخضوع لهذا الإجراء الطبي، أن الاستفادة منه يتطلب دفع أربعين مليون سنتيم (40000 درهم).

غادرت المستشفى، وتهت في الشوارع، ودموعي تنهمر من مقلتيَّ كالسيل الجارف. أدركت أن الاستمرار في مشوار العلاج سيتوقف حتما. فتدبير الإمكانيات الضخمة التي يستلزمها العلاج مطلب بعيد المنال. لذلك، أخذ اليأس يستبد بي، وبدأت أفكر في الاستسلام وإيقاف هذا المسلسل، لولا أني تذكرت قول علي كرم الله وجهه " سأصبر حتى يشتكي الصبر من صبري ".

هنا مرة أخرى، سيأتي الفرج، سيبعث الله لي من سيمد لي يد المساعدة. وهكذا، وبتشجيع من صديقتي لالة حكيمة، سأنتقل إلى مقر كنوبس بفاس حيث أحسست وكأن رحمة ربي كانت تنتظرني هناك. بهذا المقر صادفت إنسانة رائعة طيبة بشوشة، الأستاذة هاجر، ملاك الرحمة التي بادرت إلى تهدئتي وتطييب خاطري. بعد ذلك تولت توضيح وبالتفصيل، كلما يجب القيام به من إجراءات من أجل أن أستفيد من دعم كنوبس. لن أنسى صنيعها معي ما دمت حية. ما يزال صدى قولها يتردد في آذاني، كلما كان اللقاء بها، "يدك مبلغة بِيَّ"، حفظها الله وحفظ كل أحبائها وخصوصا صغيرتي رزان البنت اللطيفة وزوجها الفاضل الأستاذ فيصل، ادام الله عليهم الستر والعافية.

قصدت البيضاء، وما أن وصلت مستشفى 20 غشت، حتى وجدت نفسي أمام طابور طويل للمرضى الذين ينتظرون الاستفادة، ليس من العلاج، بل كان همهم الوحيد انتزاع موعد لذلك فقط. رفضت الاستسلام وانتظرت دوري، صابرة صامدة. غير أني كدت أفقد القدرة على الصبر، بعد ولوجي لتقديم ملفي الطبي، حين طالبوني بإجراء تحليلات والقيام بالعديد من الإجراءات الإدارية، كما أطلعوني أن هناك 950 مريضا، ينتظرون الاستفادة من زرع النخاع قبلي. بمعنى أني لا يمكن أن أستفيد من هذا الإجراء إلا حين يحين موعدي، وقد أموت والموعد لم يحن بعد.

جلست شاردة العينين، لا أعرف ماذا أفعل. استبد بي البكاء مرة أخرى. غمرتني الهموم والشعور بالضعف. بقيت على هذا الحال إلى أن نادتني إحدى الممرضات، تطلب منى الدخول إلى مكتب الطبيبة المختصة المشرفة على زراعة النخاع الشوكي. قدمت لها ملفي الطبي، وبشكل مفاجئ، سألتني عن نوع التغطية التي أستفيد منها. ولما أخبرتها بأن أستفيد من كنوبس، كشفت لي بأن بهذا المستشفى سأنتظر طويلا، ومادام أن خضوعي لزراعة النخاع ينبغي أن يكون في أقرب الآجال، وبشكل متواز مع العلاج الكيميائي، لتكون هناك فرصة أكثر لنجاح الزراعة، نصحتني بالتوجه إلى مستشفى الشيخ خليفة بالبيضاء دائما. هناك، يمكن الاستفادة من تغطية كنوبس.

انصرفت، لم أصدق الأمر في البداية. طلبت من شقيق زوجي، الفقيه سي أحمد، جزاه الله بالخير الوفير على ما بذله من أجلي، أن نقصد مستشفى الشيخ خليفة. هناك، سندرك أن ما أرشدتنا إليه تلك الدكتورة الجليلة، كان صحيحا. وحتى نتأكد من الأمر، وبإصرار من زوجي وشقيقه سي أحمد، اتجهنا نحو مقر كنوبس.  ولما استفسرنا عن الأمر، تأكد لنا صحته. لم أجد بدا، وقتئذ، من أتوجه إلى العلي القدير شاكرة ملتمسة أن يجزل الجزاء الطيب لكل من اختاره العلي القدير ليكون لي نعم العون والسند.

استعدت الابتسامة المفقودة، وغمرتني سعادة كبرى وأنا أدرك أن جزء كبيرا من التكاليف الباهضة للعلاج ستتكفل بها " لالة كنوبس". من هنا ستبدأ رحلاتي نحو الدار البيضاء، مع ما يتطلبه ذلك من إجراءات إدارية وتحاليل ومتاعب السفر. يقول الحسن البصري: " إذا وجدت بابك مغلقا، فالجأ الى الصلاة والقران والذكر، وافتحه.  يا بن آدم، إنما أنت ضيف، والضيف مرتحل، ولله در قوم، نظروا بعين الحقيقة، ورحم الله امرئ نظر ففكر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصبر".