adsense

2019/05/11 - 4:09 م


بقلم ابتهال عبدالوهاب الكاتبه والباحثه في الفلسفه  ..،( جمهوريه مصر العربيه )
تأسس الفلسفة بصورة مباشرة علي الحرية بكل أطيافها ومعانيها ومن هذا الجانب فإن الفلسفة تقرر حرية الإنسان الكاملة واللامحدودة واللامشروطة في طرح الأسئلة مهما كانت طبيعة ونوعية هذه الأسئلة وازمة العقل العربي تتجسد في الخوف من الأسئلة والرموز الي المسلمات
وما نقصده بالعنف الديني ليس العنف في دلالاته الجسدية والمادية ولكن العنف في دلالاته المعرفه ..عنف إقصاء الاسئله
واستبعاد الأفكار المغايرة والمضادة لكل ما استقر عليه الأجماع والمتوارث.
مشكلة العقل العربي انه قفز وتجاوز قدراته وما تمليه قواعد البناء السليم وتبنى الاشتراكية والقومية واللبرالية وهو لم يصل حتى للمرحلة الديكارتية ...انا افكر اذن انا موجود..داء العقل العربي  هو البحث الدائم عن مرجعية ما يستمدها إما من ماض سحيق أو من ثقافة المتقدم المنتصر وفي الحالتين يظل النقل فوق العقل
الإجابة عند العقل العربي تأتي قبل السؤال
لهذا لا نسال الا الأسئلة التي نملك إجابات مسبقة لها
لا يتساءل العربي ليحصل على الاجابة المقنعه بل يسأل ليؤكد ويكرر الحقيقة المسلم بها سلفا
انه يعتنق الحقيقة أولا ثم يسأل ليؤكد قناعته بهذه الحقيقة
لعل هذا هو السبب أنه لم يعد لدينا أسئلة
ولعل هذا هو السبب اننا على قدر ركام الاجوبة لدينا لا زلنا نحس عالمنا غامضا وغير مفهوم.
أسئلتنا انتهت لأننا نظن اننا نعرف الإجابات النهائية على كل شيء من احوال الجنة الى حلول المعضلات الإقتصادية الى أحكام دخول الحمام.
السؤال عند الآخرين يبدا بالشك اما السؤال عندنا فهو مرحلة تالية لليقين. تناقض غريب لكنه حقيقي..
العربي لا يسأل لكي يعرف الجواب.
انه في الحقيقة لا يسأل الا اذا كان لديه اجابة جاهزه. وعندما نعجز عن الإتيان بالإجابة لا نحاول مرة أخرى بل نلغى السؤال
أصبح الوعي العربي بكينونته الحالية ذا وجه واحد غاب عنه البعد الناقد الذي يؤمن بالتطور وهو وجه استاتيكي ثابت فإذا سألت في الدين فلا إيمان إلا إيمان السلف الصالح وإذا سألت في العلم فلن تسمع إلا بالعلوم التي سموها بالربانية  وإذا سألت في الأخلاق والعدل فلن تجد إلا الإشادة بعدالة وأخلاق الأوائل..
 فعلى المستوى العلمي والفلسفي لا نجد أن لنا حظا في ما أنتجه الغرب من نظريات فلسفية كانت أو رياضية أو فيزيائية فنحن مجرد مستهلكين لها فقط
أما فيما يخص الجانب التقني فكل ما ننعم به من أسباب الراحة ومن تقنيات وسائل الاتصال والمواصلات مستورد من الآخر لأننا لم ننتجها ولا يمكننا ذلك ما دمنا لم ننتج معارفها أصلا
يعيش العرب  ثقافة أشخاص عاشوا لحظتهم التاريخية بشروطها وانتهوا وتغيرت الشروط وبات من اللازم أن تتغير الأفكار
وأغلب من يملأون الفضائيات والمواقع مجرد ناقلين مرددين لمقولات التراث التي تشوهت نتيجة لترقيعها المستمر فأنت تتابع حلقة كاملة من برنامج ديني لا تسمع فيها اجتهادا للمفتي في النص القرآني وقلما ترد آية كدليل بل هناك تغييب تام له مع حضور قوي للعنعنة الطويلة وقال فلان وورد عن فلان
 يختزل هؤلاء كل النقاشات الدينية في نواقض الوضوء ومبطلات الصلاة ومكروهات الصوم ومستحبات الزكاة  وعظيم ثواب الصابرين المحتسبين وشكليات الطقوس والشعائر وألهوا الناس بحفظ أوردة الصباح وأذكار المساء ودعاء النوم واليقظة والدخول والخروج ودعاء الأحلام ودعاء دخول المرحاض والخروج منه…تراهات لا حصر لها
الم يحن الأوان بعد لهذا الوعي المتهالك أن يعترف بضعفه وعجزه عن مسايرة التحولات والمستجدات بأطر ماتت وانتهت صلاحيتها منذ قرون خلت؟
 لقد بتنا في حاجة ماسة إلى إصلاح منظومتنا الفكرية
اصبح العرب والمسلمون في تعارض دائم مع مسيرة العالم وفي تضاد دائم مع اتجاهاته التجديدية  بسبب عدم تخليهم عن وجهات نظر أناس ماتوا قبل قرون وكأنه لم يكفهم أن يعيشوا في الماضي بل يريدون أن يجروا العالم إلى ماضيهم وعلى الرغم مما هم فيه من بؤس وهزال واعتماد على الآخر إلا أنهم لا يريدون ان يطوروا من أنفسهم ويغيروا نظرتهم للآخرين ولحركة الحياة
 مخطئ من يظن أن مشاكلنا يمكن حلها من دون إعادة النظر في منظومة تفكيرنا ونظرتنا التقديسية لماضينا وتاريخنا وإعادة نقده وفحص صندوق التفاح من جديد وترتيبه بعد ابعاد المعطوب منه وتدريس هذا التاريخ بوقائعه المجردة وليست المزيفة والمزخرفة بالخرافات
المطلوب  منا الان رسم خريطة جديدة لمنظومة تفكيرنا تقودها حركة فكرية جديدة تعلي من شأن العقل على حساب الاغراق في كل ماهو غيبي فضلا عن تغيير المناهج التلقينية التعيسة التي ندرسها في مدارسنا حتى نخرج أجيالا تتمتع بحاسة نقدية للذات ومن ثم تستطيع القيام بعملية التصحيح الدائمة لاخطائها وايجاد الحلول لمشاكلها من وحي عصرها وليس من جراب الماضي الذي يعتقد البعض أنها تحوي حلولا للحاضر والمستقبل
وهنا أتساءل..هل يمكن ان يأمل الانسان العربي في انتصار العقل على الفكر الخرافي في المدى المنظور؟
سؤال يرسم المستقبل والمصير معا
 نحن لا ندعو للتخلي عن التراث وتهميشه لأن فكرا يتنكر لتاريخه لا يستحق أن يكون فكرا وإنما ندعو إلى الاستفادة من هذا التراث من خلال الأخذ بصوابه وعدم الوقوع في أخطائه لأن سنة التاريخ تقضي أن يكون الجيل القادم أكثر تطورا وتقدما وقوة وحكمة من سابقه
يجب التسليم بأن الحقيقة ليست ملكا لطرف دون الآخر كما أنها ليست في متناول الإنسان دوما  وليؤمن الجميع أن لكل مذهب خرافاته وأوهامه ..ثم إن المعتقد لا يقوم بالصواب والخطأ لأنه ليس علم فهذه معايير النظريات العلمية التي إن صدقت اليوم كذبت غدا ولا يزعج العلماء أن تكذب نظرياتهم لأن العلم يتقدم والبشرية تتطور
لابد من منع كل التعاليم والمعتقدات التي تدعي الصدق المطلق وتدمر حق الغير المخالف لها في الوجود
 لا بد من وضع حد لهذا الخلط بين المعتقدات وأمور الحياة