adsense

2018/04/20 - 11:05 ص



بقلم الأستاذ حميد طولست
لا يخفى على أحد أن مفهوم الأخلاق عند العموم هي تلك الطبائع التي يتطبع بها الإنسان، والسجايا التي تصدر عن باطنه على هيئة سلوكات تلقائيّة ، تعكس نفسه وصفاتها وحالها وربما أصله وفصله، والتي إذا كانت حسنة سُمّي صاحبها بذمت الخُلق، وإن كانت قبيحة سُميّ صاحبها بسيئ الخلق، وتعرف الأخلاق اصطلاحاً بأنها تلك القواعد المنظمة والمتحكمة في سلوك الإنسان وردود الأفعال التي تصدر عنه، وينسب الكثيرون سوء الأخلاق إلى قلة الدين ، بينما أن الحقيقة أنه لا علاقة للدين بالأخلاق،  بدليل تعرفه واقع المسلمين اليوم ، من تحولات اجتماعية خطيرة في الكثير من قيمها الاجتماعية ومسلكياتها المجتمعية ، التي خرجت من دائرة النقد إلى دائرة التعالي والقداسة ،  التي تقض مضاجع المتنورين من الناس ، والدليل القاطع والشهادة المقنعة على أن الدين ليس هو أصل الأخلاق ، ما شاهدته خلال رحلتي الباريسية من سلوكيات الفرنسيين ، الأمر الذي وقف عليه قبلي الكثير من الباحثين ودونه الرحالة وأشاد به الخصوم قبل الأصدقاء، ومن يعتقد خلاف ذلك ، فلينظر لاتسام هذه المجتمعات الأقل تدينا، بأخلاق ومبادئ احترم حقوق الإنسان ، كما يمكن أن نلحظ ذلك عند اليابانيين والصينيين والسويديين والفنلنديين والدنماركيين وغيرهم من شعوب بلاد الغرب التي  سادها الرقي الأخلاقي منذ عصور، ويسودها اليوم التميز السلوكي بكل تجلياته الروحية وتمظهراته الإنسانية ، كالكرامة عند الأوروبين ،  والاستقامة عند الصينين ، والانضباط والمثابرة عند الألمان ، التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب الأخرى على الرغم من أن غالبيتهم ليسوا مسلمين أو بلا دين ، محبين مسالمين صادقين عادلين نزيهين محترمين متخلقين وطيبين ، لا يكذبون ولا يسرقون ولا ينشرون الكراهية بينهم ، حتى صدق فيهم  قوله تعالى : "جَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً" ، بخلاف المغالين في التدين الطقوسي التمظهري من المسلمين الذين لا نلمس في سلوكياتهم  لا صدق ولا أمانة ولا احترام ولا نظام ولا عدل ولا مساواة أو نزاهة ، ويكاد يكون التدليس والكذب والنفاق والخيانة والانجذاب نحو الانحطاط والحضيض ، السمة البارزة في أفعالهم وتصرفاتهم التي أرهقها الذل ، وغلفها الحزن ، وملأها التشتت والانقسام ، والتي يبتغون بها تمترس جميع البسطاء واصطفافهم في خندق التخلف، بدعوى حماية الدين ، والذود عن حماه ، والرجوع بالحياة  إلى صحيح الإسلام، بلا علم ولا فقه ولا كتاب منير، سوى فتاوى غير منضبطة لا تنتج غير فكر منغلق وثقافة متطرفة  في الكثير من متونها المستحضرة لكل فتن الماضي وتحيي جميع أمراضه وكافة علله وأحقاده، وترغم الناس على إتباعها قسرا ، وضد منطق التاريخ وأساليب التغيير، حتى انطبق عليها قوله تعالى : "الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) تمام الانطباق..
صحيح أن الإنسان يولد على الفطرة النقية حرا بلا ميود، فيقيده آباؤه بديانتهم ، وتكبله عشيرته بأوهام معتقداتها وغيبياتها،  ويلزمه مجتمعه على الاصطفاف في خندقه، الذي تغيب عنه العلمية وتملؤه الترهات والخرافات ، التي يقضي السنوات الطوال في التفكير والتأمل والبحث عن سبل تكييفها ، مع ما فطر عليه من خصال الصدق والأمانة والتعاون وباقي السلوكيات الحميدة التي تدخل ضمن خانة المعاملات الطيبة الحسنة ، التي تضفي على حياة الإنسان ، الدفء والعمق الروحي ، والتميز الإنساني، الذي تتجدد أساسياته وقيمه ، وتزداد مبادئه الإنسانية نموا ، كلما ازدادت المجتمعات والشعوب ارتقاء في العلم والمعرفةً التي تزيدها تنويرا وتعليما وإرشادا وانفتاحا على قيم العدل والاعتدال والمحبة والتسامح والمواطنة ، وغيرها من مكارم الأخلاق التي تصحيح مسارات الأفراد ، وتحصنهم من سوء الخلق وسيئ العادات ، بدون الحاجة إلى كهنوت الشيوخ ورجال الدين ، وضدا فيما يقحمونهم فيه باسم الدين من جهل وخرافة وإستصنام فكري، تبقى معه الأخلاق أزمة عقل أولاً ، ومعركة تغييره وتفكيكه وإعادة تشكيله وتعرية الأسيجة القدسية ، والأسوار الدينية ، وتفكيك المهيمن الرمزي وإيحاءاته المنتجة للميولات العدوانية العنيفة -سياسة كانت أو دينية -المعششة في النفوس المريضة ،. وغيرها من البنيات المتطرفة المدعمة بفتاوى الشيوخ الشاذة ، التي لم يكن قط من أهدافها-ولن يكون أبدا - تنوير المجتمع وتعليمه وإرشاده للانفتاح على قيم العدل والاعتدال والمحبة والتسامح ، رغم ما يرفعونه من شعارات ممجوجة ، لا تروج لثقافة التسامح إلا نظريا..