adsense

2016/10/07 - 6:29 م



بقلم الأستاذ حميد طولست


إن أهم ما ترتكز عليه عملية الدعاية لأي منتوج أو خدمة من أي نوع كانت ، بما فيها الدعاية الانتخابية،  هو الابتكار والإبداع في الإعلان نفسه وتميزة بالجدة والتجدد الجاذب للانتباه ، المثير للدهشة والاستغراب ، المؤثرة على الأفكار بصورة ترسخ في الأدهان الرسائل الإعلانية للمنتج أو الخدمة ، التي لا  يصدر مها أي فعل أو حركة ، ولا ينشر عنها أي خبر أو تصريح إلا لغاية محسوبة التإثير ، ولهدف محدد النتائج  ووظيفة مقصود الدور..
كتلك الإبداعات والابتكارات الغريبة التي تفتقت عنها عبقرية الحملة الانتخابية للسابع من أكتوبر ، وانخرطت بعض الأحزاب في مسلسلاتها، ولا أقصد هنا توزيع المال والأكباش والمواد الغذائية والأدوات المدرسية ، التي تعد من الأساليب القديمة التي لم تعد تثير إهتمام أحد ، بل أعني تلك الظواهر الجديدة والغريبة وغير المنتظرة بالمرّة ، التي عرفتها الحملة الإنتخابية ، والتي كان من أغربها على الإطلاق تلك الاستراتيجية الفريدة والمتفردة التي أملتها حالة تضاعف عدد المرشحين الشعوبيين وتنافسهم المحموم على دغدغة مشاعر المواطنين بغية الاستقطاب والحشد والتجييش ، والتي إبتكرها المسؤول الأول عن التجربة الحكومية السيد بنكيران ، معتمدا فيها الخطاب العواطفي المثير للمشاعر والأحاسيس ، من بكاء وصراخ وعويل ونحيب ، لمفعولها القوي في التأثير على الجموع وسهولة تأدية الغاية منها بأسرع من النصوص الشعرية والنثرية ، والتي بالغ -كعادته - فيها ، حتى أصبح البكاء رفيقه في الجولات الدعائية لحزبه ، وغدا الدمع سلاحه الأمثل لتحقيق طموحه في التربع على عرش ولاية ثانية ، رغم علمه بأن السياسة و العواطف هما ثنائيتان متقابلتان تنتميان الى مجالين مختلفين، تنتمي الأولى الى المجال العقلاني ، في حين تبقى العواطف جزءا من المجال اللاعقلاني البعيدة كل البعد عن العمل السياسي الجاد المنبني على الموضوعية ولغة المعطيات والأرقام التي تعطي معنى عقلاني و مقنع للخطاب السياسي.
و هذا لا يعني أبدا أن السياسي عليه أن يكون باردا خاليا من العواطف والأحاسيس والمشاعر الإنسانية ، بل على العكس ، فالبكاء هو نوع من التنفيس والتفريج عن النفس المثقلة بالهموم، والقلب المكلوم المفعم بالأسى، وما كان يوما عيبا ولا عاراً على صاحبه ، لأنه آية من الآيات التي من بها عز وجل على عباده للترويح، مصداقا لقوله سبحانه: "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى 43 وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا44" النجم ، لكن يبقى العيب كل العار الذي يجب أن يُخجل منه ، هو استخدام البكاء غير الصادر عن العاطفة الحقيقية،  وتوظيفه في الكذب على التاس وإيهامهم بما يخالف الحقيقة ، وذلك لأن البكاء ليس دائماً صادقاً، أو نابعاً من عاطفة نبيلة، كالذي تصنعه أخوة سيدنا يوسف عليه السلام، ليوهموا أباهم بما يريدون ، والذي صوره القرآن الكريم تصويرا بليغا في قوله عز وجل : (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ 16 قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين 16/17يوسف.
ومنه يتضح لنا أنه مهما كان تأثير البكاء المخادع بكل صوره العديدة و بدموعه الزائفة ، كبيرا في الإنطلاء على بسطاء الناس تصديقهم له وتعاطفهم مع أصاحبه ويلهب التجمعات الخطابية  ، فإنه لاشك أنه يجلب عليهم  الكثير من الانتقادات ، لأنه بكاء متصنع مخداع ومضلل ، يفطن إليه المؤمنون الصادقون، وهذا لا يعني أننا تشكك في بكاء ودموع السي بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ، وأنها غير صادقة وغير صادر عن عاطفة غير حقيقية ، رغم تفاعلت شريحة عريضة وواسعة من المجتمع بشكل غير ايجابي معها ، لأن البكاء رقة تعتري القلب نتيجة خشية أو خوف أو رحمة أوشوق أو حون وتفتعل على إثره النفس ، فيحدث البكاء وتنهمر الدموع .
ونحن نحكم على الظواهر والله وحده يحكم على السرائر ، لأنه أعلم بها حتى من أصحابها ، ولا يسعنا في الختام إلا أن ننشد مع الشاعر الفيلسوف المعري:  
            غيرُ مجدٍ في ملّتي واعتقادي نوح باكٍ ولا ترنم شــــاد           
         وشبيهٌ صوت النعيّ إذا قِيس بصوت البشير في كل نـــاد
         أبَكَت تلكم الحمامة أم غنّت على فرع غصنها الميّـــــــــــاد