adsense

2016/04/26 - 12:50 م



بقلم الأستاذ حميد طولست
لم استغرب مما عانته بائعة البغرير المسماة "مي فتيحة" من ذل وهوان مؤلم، أدى بها إلى إحراق نفسها يوم السبت 9 أبريل أمام المركز الاداري لحي اولاد مبارك بمدينة القنيطرة، والذي نُقلت منه إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، حيث أسلمت الروح إلى بارئها يوم الاثنين متأثرة بحروق من الدرجة الثالثة،... كما أني لم استغرب من وقوع مثل ذاك الظلم الإجتماعي الأليم في ظل حكومة يقودها حزب بمرجعية إسلامية كان من أهم شعاراته الإنتخابية، "محاربة الفساد والاستبداد والدفاع عن مصالح الفقراء والمظلومين والمضطهدين اجتماعيا، بقدر ما استغربت من أمر خطير، ربما لم ينتبه إليه الكثيرون ، والمتمثل في تخلف الحركات النسائية، بكل جمعياتها ومنظماتها ومنتدياتها النسوية، عن المشاركة في الاحتجاج ضد ما سلط على إحدى النساء المغربيات، من قهر وظلم وغبن لم تجد، المسكينة معه من سبيل للتعبير سوى إضرام النار في جسدها.
فعلا إنه لأمر غريب، أن تتغيب الحركات النسائية المغربية نهائيا، أو أن تكون مشاركتها في مثل هذه القضية، مشاركة باهتة ومشوشة، وهي الحركات المطالبة بالدرجة الأولى، وقبل غيرها من المنظمات غير النسائية، بالنضال المستميت من أجل الدفاع عن حقوق المرأة والحفاظ على كرامتها، وضمان حقها في العيش الكريم، وخاصة في مثل قضية "مي فتيحة" المرأة التي سُرق منها كل ما تملك، كرامتها إنسانيتها خبز أولادها، ثم حياتها، لا لشيء إلا لأنها رفضت أن تكون كيانا صامتا بلا كرامة، وقررت أن تكون إنسانة حرة، وليس نصف إنسانة فقط.
إنه لمن المؤلم، أن يتحول النضال الذي انخرطت فيه رائدات الحركة النسائية المغربية منذ زمن، لأجل بناء وطن يسود فيه العدل والحق للجميع، وما خضنه من معارك كسب الحقوق الاجتماعية وقوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة، إلى نضال نسائي نخبوي موسمي منسباتي يختزل قضايا المرأة في كل ما هو سياسي، لا ينشط إلا مع اقتراب الانتخابات، -على مستوى الحركات النسائية للمجتمع المدني و تكتلات النساء البرلمانيات– هي تخوض مسار البناء الديمقراطي وتخوض نقاشا حول الحريات وحول  الإجهاض، التي يرومن من خلالها احتلال المناصب واقتحام مجالس القرار، فلا تناضل إلا من أجل المناصفة والكوطا -الريع اللاديمقرطي لانتفاء مبدأ الكفاءة والاستحقاق في العمل والعطاء- وما تحقق من مجد شخصى، أصبح أهم قضايا المرأة، وصلب نقاش جمعياتها النسوية ومنظماتها النسوانية، الذي شغلها عن قضية "مي فتيحة" وغيرها من القضايا الحقيقية للمرأة المغربية، كمعركتهن الحثيثة من أجل الرفع من تمثيلتهن في البرلمان من 60 إلى  132 مقعدا، والمستغرقة في نضال مستميت لتعديل المادة 5 من مجلس النواب للسماح لهن بالترشح مرة ثانية في اللائحة الوطنية.
لاشك أن الحركات النسائية مطالبة اليوم وقبل أي وقت مضى، بإعادة النظر في مفهوم النضال النسوي المخضب بسحر كلام الدّعاة والسياسيين والنقابيين، والمرهون بأجندات المصالح الفئوية الخاصة، وتعويضه بالنضال الحقيقي البعيد عن المزايدات التي عرفها ويعرفها نقاش حقوق المرأة ومطالبها، والذي تكون فيه حماية المرأة مما يترصد حريتها ، ويتهدد إنسانيتها وتعزيز مكانة المرأة كشريك داخل مجتمعاتها لتحقيق تنمية البلاد أهم أهدافه، ولا هدف له غيره.