adsense

2016/04/18 - 10:18 م


قضية مي فتيحة التي أحرقت نفسها ، نموذجا.
بقلم الأستاذ حميد طولست
كل شيء في هذا الكون ، مهما صغُر أو كَبُر ، قابل للمقارنة بغيره من الأشياء مهما اختلف عنه في الخصائص والسمات ، والتي لابد له من أن يشترك معها في خصائص وسماتٍ أخرى ، وأنه لابد لكل شيء مهما شابه أو ماثَل غيره ، من أن يختلف عنه في جوانب ونواحٍ أخرى. فالمقارنة وسيلة للبحث عن أوجه التشابه والاختلاف والفروق بين شيئين أو أشياء ، كما ورد في مشهور الكلام أنه " بضدها تتبين الأشياء ، المخالف تماما للمقولة الشهيرة أيضا " لا تقارن السيف بالعصا " والتي حُفّظناها في المدارس الإعدادية على أنها من المسلمات ، والتي تفندها مقولة " الضد يظهر حسنه الضد " أو قولة المتنبي: "وبضدها تتميز الأشياء " ، فطبيعي أن نقارن بين سلوكياتنا وسلوكيات غيرنا من شعوب العالم المتقدم الذي نسعى دائما إلى استنساخ نماذج طبقا للأصل من منجزاته في شتى الميادين..
موجب هذه المقدمة هو تلك الأحداث المزلزلة التي تناقلتها وسائل الإعلام لتجاوزات  بعض رجال السلطة المهينة لقيمة الإنسان المغربي ، والتي لم استطع معها مقاومة الرغبة في اقتراف المقارنة - رغم معرفتي ، بل يقيني ، بأنه فعل مزعج للكثير من رجال السلطة الذين يعتبرونه شططاً وإجحافاً وانتقاصاً من شأنهم ، ورجال الدين الذين من يحسبونه تشبه بالكفار - بين الذي يحدث في الكثير من بلدان الغرب المتحضر ، الذي نسعى جاهدين إلى استنساخ نماذج طبقا للأصل من منجزاته في ميادين وأمور عدة ، وبين ما يحصل في عالمنا العربي عامة وفي بلدي على وجه الخصوص، الذي لم يستوقفني فيه قط نموذج واحد من نماذج تطبيق الديمقراطية والعدالة والمساواة الحقة في إعطاء المواطن المغربي ما يستحق من القيمة والأهمية ، كما هو حاله في الدول المتحضرة التي تهتم بمواطنيها وتقيم لإنسانها وزنا ، على اعتبار أنه أهم قيمة في الموجودات الحية في هذا الكون، وأنه أعظم ثروة في حياة مجتمعاتها المتقدمة التي تحترم نفسها ، ورأس مالها ومصدر كل السلط بها ، وهدفها الأسمى الذي يستوجب النضال والتضحيات من أجل إسعاده ،والذي تجند كل أجهزتها لحمايته وخدمته ، ـوإذا ما تطاول أحد مسؤوليها  على حقه - كيفما كانت مرتبته - واستغفله أو ابتزه ، أو قام بالتدليس أو التزوير والنصب عليه ، فإن عقابها له ، يكون أقسى من عقاب مواطنها العادي ، لكونه استغل وظيفته ومركزه ، ومارس الشطط في استعمال سلطته ، وأخل بمسؤولياته نحو من كلف بخدمتهم من المواطنين ..
أما أمر الإنسان في المجتمعات والدول العربية التي تسير على رأسها -وهنا تأتي فائدة المقارنة وضرورتها -وما وصلت إليه قيمته الاعتبارية ، فمريع الى درجة تبعث على الغثيان والاشمئزاز ، ودليل قاطع على مقدار تخلفها ، حيث أن سعر الإنسان عند حكامها ، بخس لا قيمة له ، بل هو أدنى مستوى من الحيوان وأرخص من أي بضاعة او سلعة منتهية الصلاحية ، حيث لا يعدو أكثر من كونه رقماً في سجلات الأحوال المدنية ، فلا يُهتم به ولا يُعتبر ذا قيمة إلا أثناء الاستحقاقات الانتخابية ، وبعدها تنتهك خصوصياته ، وتستباح ممتلكاته ، ويحاكم على أبسط الجنح ، كما حدث مع "مي فتيحة" التي أحرفت نفسها بعد أن احست بالحكرة، ، وقضية السيدة "سهام" ولحسين عربان الذي اشتهر اعلاميا ب"قائد الدروة" المتحرش بامرأة متزوجة ، بينما الذين هم في السلطة والتدبير ، ابتداء من أصغر مسؤول في سلم السلطة ، فليس لأي كان الحق في انتقاد تجاوزتاهم وخروقاتهم ، وكأنهم معصومون ، رغم أن من بينهم أبطالا في الشطط والتجاوزات ، - ما يمكنهم من دخول موسوعة "جينبس" للأرقام القياسية من بابها الواسع وبدون منافسة - التي لا تأخذ المجتمعات والأنظمة المستبدة وأعوانها ، أي إجراء للحذ منها ، وانتشال قيمة الإنسان  مما هي فيه من بهدلة وتغييب للقيمة ..