adsense

2016/04/18 - 11:12 ص



بقلم الأستاذ حميد طولست
إن قضية خولة ودنيا بوتازوت، رغم أنها تبدو كباقي قضايا الصراعات العادية ، التي نقابلها في معظم علاقاتنا الاجتماعية والأسرية ، ونبني عليها جل معاملات حياتنا اليومية ، الاجتماعية والتجارية والسياسية والثقافية ، كأسلوب ونموذج للتعامل المجتمعي ، إلا أنها ، استطاعت أن تسلط الضوء على الكثير من التغييرات الجذرية والخطيرة ، التي طرأت على السلوكيات المجتمعية الجديدة ، التي فرضتها مادية العصر ، وعولمة القيم ، وتعدد الوسائط ، وارتباطها كليا بمنظومة المصالح الخاصة ، التي ساهمت نسبة الجهل العالية ، في نموها ، واتساع رقعة انتشارها ، وتفاقم خطورة تأثيرها ، وعزز من تكريسها ، مجموعة من النخب السياسية والثقافية المستفيدة من ديوع تلك السلوكيات الهجينة و الدخيلة.
كما أنها رغم ببساطتها وروتينيتها ، فقد أبرزت معاناة المواطن المغربي مع ما اجتاح مجتمعه ، من تلك السلوكيات الغريبة في طبيعتها ونوعيتها عن قيمه الأصيلة ، التي طالما اعتز بها ، واستمات في الحفاظ عليها وصونها من التزول ، الذي لا يخلف إلا الانحلال الأخلاقي والخُلقي داخل المجتمع ، كما هو حادث في زماننا الأغبر هذا ، الذي غابت فيه سلطة الأخلاق  وتوارت القيم ، التي عاش عليها المغاربة مند الأزل، من قبيل التواصل ، والرحمة ، والانتماء ، وحقوق الجار ، والإيثار ، والكرم ، والمودة ، والتضامن ، والاعتراف بالجميل ، والتي حل محلها كل مناقض للقيم النبيلة ، ومخالف لنتائجها من السلوكات الفاسدة ، والذي يمكن استنباط عينة منه من قضية "خولة و بوتازوت" التي سأتناولها هنا ، دون لوم أو تجريم أو تخطيء لتصرف وسلوك أي منهما – الأمر الذي ليس من حقي- لأنه سلوك عام لا يخرج عن المنظومة السلوكية المجتمعية السائدة في المجتمع ، ولأن كل منهما لم تأت بأكثر مما يأتي به المغاربة في مثل هذه الأحوال ، وفي ما يماثلها من الظروف -وهذا لا يعني أني أقره كسلوك- حيث أن بوتازوت استغلت فرصة المعاملة التفضيلية التي قُدمت لها لكونها ممثلة مشهورة ، وأن خولة تعاملت مع الإحساس بالحكرة والظلم ، بالأسلوب الذي يمكن أن يتعامل معه معظم المغاربة ، فنطحت دنيا وكسرت أنفها ، دون أن تفكر في العواقب ، لكني سأتطرق لتصرف والد خولة ، وتنكره -في جلسة الصلح مع بوتازوت - لكل "النضالات الفايسبوكية" التي تعاطفت مع ابنته، في مواجهة بوتازوت، -التي كان من حقها متابعة ابنته، بغض النظر عما إذا كانت محقة في تجاوز الصف أم لا- وما جر عليه تصريحه من سخط واستياء الكثير من الفايسبوكيين، الذين اعتبروا ذلك دليل خِسَّة وحقارة ، وخروج عن القيم المغربية الأصيلة التي ليس فيها مكان للجحود ولا لنكران الجميل ، وهم معذورون في ذلك لإيمانهم بأن النفوس المغربية على الدوام وفية ومعترفة لذوي الفضل بفضلهم ، وتطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور". ومع كل هذا ، فإنه لا يجب أن نلوم والد خولة على تصرفه ، رغم هجانته، فإنه -كالكثيرين منا -غلبت على سلوكه المنظومة الأخلاقية الفاسدة التي عمت مجتمعنا ، والتي تخلق بها –مع الأسف -معظمنا وتشبعت بها نفوس العامة منا ، ولم يسلم من تأثيرها المثقفين والسياسيين والصحفيين ، والتجار ، إلا من رحم ربك- بالطبع أنا هنا لا أعمم ، لأن الأمر لا يحتمل التعميم بل ينطبق على فئة دون أخرى -.
 لهذا أقول : أيها الفيسبوكيون : كلنا يعرف أن والصدمة مؤلمة ، والوجع أكبر منها ، لكن لا تسمحوا لمثل هذا الحدث ، أن يلوث دواخلكم الجميلة ، ويفقدكم الثقة في ما تقومون به من تضامن مع المظلومين ، واعلموا أن الحشائش الضارة موجودة عادة في كل المزارع ، فحيث تنبت وتعيش النباتات النافعة توجد تلك الحشائش الضارة ومهما اقتلع منها فإنها وتعاود الإنبات ، لذلك أرجوكم ، لا تلوموا لا خولة ووالدها ولا دنا ، ولوموا من كان وراء اجتياح هذه الأمراض الاجتماعية السلبية في مجتمعنا بهذا الشكل المريب ، إلى أن أصبحت ، للأسف ، مزمنة ومزعجة ولها تبعات ضارة على مجتمعنا الطيب الكريم المتشبت بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أن قد كافأتموه). رواه أبوداود. والذي إذا أنت أحسنت إليه شكرك وعرف لك الجميل وذكرك بالذكر الحسن وكافأك على المعروف متى ما سنحت له فرصة ولو بكلمة طيبة ، يكفيكم دليلا ، ما فعلته خولة لما علمت بتصريحات والدها ، عبرت لكم ولجميع المغاربة الذين ساندوها في محنتها عن شكرها وامتنانها.