adsense

2016/03/29 - 2:38 م


في أعلى قمة بدوار أيت أعرفة بجماعة العنوصر بإقليم صفرو، وبعد قطع طريق شديدة الوعورة وسط الشعاب وأشجار البلوط لمحت أعيننا خيمة كبيرة حولها بضع منازل وخيام صغيرة سألنا اهل القرية عن هذا فكان الجواب على لسان أحدهم أنه "مسجد حينا فيه نصلي صلواتنا ونعقد تجمعاتنا...هو مقر زاوية سيدي رحو أوعرفة"، ذلك الرجل الذي اجتمعت حوله عدة قبائل بالأطلس المتوسط، واجه المستعمر منذ سنة 1911م، هو المقاوم الشرس الذي خاض عدة معارك داخل قبيلته وخارجها بفاس وسكورة والمرس وتاداوت قبل أن يستسلم في معركة بويبلان سنة 1926م، هو ذاك الشهم الذي اعترف له أعداؤه بوفائه وصدقه وتفانيه من أجل القضية التي كان يحارب من أجلها، هو الذي بسقوطه أعلنت فرنسا  انتهاء المقاومة بشمال الأطلس المتوسط وفشلها في كسب الرجل لصالحها عندما رفض كل المناصب والتعويضات التي عرضت عليه بل آثر على نفسه العزلة رفقة ذويه إلى مكان بعيد عن أسياد البلد الجدد فوقع اختياره على هذه المنطقة.
دخلنا المسجد وفوق فراشه المتواضع وتحت سقف خيمته المرفوعة بأعمدة خشبية منحوتة، وخلف محرابه المبني بالحجارة المتماسكة بقليل من الاسمنت... قمنا بتحيته أجمل تحية... صلينا وتأملنا... ثم خرجنا نجول حوله، فما وجدنا غير بضع "مقاريش" وجالون كبير لتخزين الماء المخصص للوضوء...هو الأمر الذي جعلنا نسأل عن مصدر المياه لتكون المفاجأة أنهم يقطعون الكيلومترات لجلب المياه يوميا، وتزداد المعاناة أكثر في فصل الشتاء، وفي ظل غياب أبسط متطلبات الحياة وسوء الأحوال الجوية سيرمي بلا شك بهذا "الدوار" في "غياهب النسيان".
وبعد استقبال حفيف وكرم منقطع النظير تجمع حولنا السكان وكل واحد منهم يحاول أن يعبر عن معاناتهم بطريقته الخاصة، فتجدهم أحيانا يعبرون بنبرة احتجاجية وأحيانا أخرى بأسلوب مزاحي كتعبير منهم على أن التهميش والنسيان الذي طالهم لم يستطع بعد أن يسلب منهم سعادتهم، فطلبهم ليس بكبير سوى توفير أدنى مقومات الحياة من ماء وكهرباء وطريق معبدة.

أخذنا الاذن بالرحيل وودعنا الأهل والأحباب فسلكنا الطريق نفسها، كيف لا وهي الطريق الوحيدة التي تربط هذا الدوار بالطريق الرئيسية بين صفرو وبولمان تلك الطريق التي إن نطقت ستحكي عن ماض من البطولات والأمجاد شكلت آنذاك مع الجبال والغابة "مثلث الموت" للمستعمر.... غير أنها اليوم تسفر عن وجهها التعيس من خلال الأحجار المترسبة والمتراكمة على الجنبات، فمع كل صدمة من تحت سيارتنا نقبض أنفاسنا خوفا من عطب قد نكون به خارج التغطية بعدما فقدنا تغطية الشبكة الهاتفية.