adsense

2021/12/22 - 9:20 م

بقلم الأديبة رانيا بوراس /الجزائر

أحرقت كل المواعيد المؤجلة. . .

كانت تستعد للنوم حتى الصبح. . .  شيء ما أيقظها من وطأة سبات شبابها. . .

 عقارب الساعة تركض في رتابة نحو الزمن. .

 عجوز وجهها مستدير عيناها الزرقاوتان فيهما لمعة ساحرة. . . ملامحها، ووجهها يعبران عن مزاج متقلب. . .  خصلات شعرها البيضاء المتساقط. . .  تنظر إلى جسدها الثقيل. . .  بحزن.

. . و عذاب...

ترتدي ثيابا مزركشة مفتوحة عند الصدر الواسع الكبير. . .  بكثير من الإشفاق...

 مع ذلك يظهر بريق عينيها، وابتسامة رقيقة لكنها سرعان ما اختفت. . .

يمضي العمر ولن تجد من الأقدار مهربا. . .  مضى رحيق عمرها. . .

 ولن يرجع شبابها يتشبب.

 عقارب الساعة لا تعرف الإنتظار ولا التوقف .

الأيام قطار جارٍ لا يعرف محطة. . .

زمن الساعة فقد نظامه. . .

   تدخل عتبات الواقع. . .

  تنزاح من على روحها عشرات الأحلام  والخيالات،  تقف أمام مرآة الواقع التي قد لا تصل في أفضل حالاتها الحد الأدنى لما تريده

  كل النهار خريف. العصافير و أشجار التين  النائمة في الزمن الصعب،... خريف مرٌّ لا يحتمله القلب. . .

 استدرجها الواقع في قعر عوالمه الشقيقة. . .  سنوات عمرها الأخيرة. . .

 والدها الربيع، الذي  طالما أحبته. . .  سارت به قاطرة الكبر حتى أصبح بعيدا، بالكاد يراها،و يسمعها. . .

 يجلس أمامها شيخ وقور...

رمى بثقل جسده على الكرسي. . .

 ذو لحية متجعدة،  متوسط القامة يسير بخطى متثاقلة وقلب كئيب. . . 

يطلق قهقهة طويلة ترتعد لها فرائصها. . .

 ناداها بصوت منخفض دون أن ينظر إليها:

 أحضري لي زجاجة النبيذ الأحمر،هل أصبحت حمقاء لا تسمعين. . .؟ 

 وفجأة رفعت رأسها. . .

 ابتسمت ساخرة!

مسح حبات العرق المتناثرة على جبينه المجعد. . .

 فتح زجاجة النبيذ... ودلقها في جوفه دفعة واحدة. . .

كانت تحيا في جحيم مضطرم. . .

  سجينة في بيتها الحجري. . .  و الأواني والأباريق منصوبة في مطبخها الحزين.  . .

 تحاور صمت القدر ورائحة الأشياء المعتادة. . .

 تعد أعوام عمرها المتبقي بقلق وفزع شديد. . .

 ترفع رأسها. . .  يصادفهافي وسط هذا الزحام طفلة صغيرة ،كوردة بدأت تتفتح أكمامها لتستقبل ربيع العمر. حاملة في يدها كراسا ملونا و سيالة زرقاء. . .

 منادية:  جدتي رانيا،  جدتي رانيا. . .

 أكتبي لي مقالا عن الحرية. . .

 فكانت هذه الكلمات النارية الحماسية بردا وسلاما على قلبها. . .

إن شبح الواقع المرير كان يطاردها في كل خطوة تخطوها...

 أحست أنها ميتة ، ولكنها في الواقع  لم تمت. . .

 ليتها ماتت قبل هذا وكان شيئا منسيا. . .  لا تذكر شيئا من عمرها البائس ،إلا أيام طفولتها الجميلة...

 قد تنتظرين العمر كله، ويتسع صدرك لكل نوائب الدنيا ولا تتسع أحشاءك لهذه الخطيئة الرهيبة وفجأة!

  تسمع صراخا بعيدا. . .

 إنه بائع الحلويات. . .

 راحت تتثاءب تثاؤبا طويلا أخذ كل أنفاسها. . .

هواجس تطرد النوم من جفنيك. . .

 أجراس الساعة الحائطية العتيقة،  تعلن تماما الثامنة صباحا. . .

 حناجر الوالد الربيع. . .

تصدر تحية الصباح. . .

 كان كابوسا مزعجا. . .