adsense

2020/03/24 - 8:46 م


 بقلم زكرياء التلمساني: باحث بسلك الدكتوراه في مجال تحليل الخطاب     
إن التفكير اليوم في العمل بكونه نشاطا إنسانيا بديهيا، هو دعوة أساسا إلى إعادة التفكير في الوحدة الاقتصادية الأكثر تمركزا في حياة أي شخص. هو دعوة لجعله من جديد ماهية الإنسان. كيف لا؟ وهو الذي يبعث فيه الروح الإنسانية المتفردة والذات المستقلة بكينونتها وبكفايتها. إن ما ننبه عليه هنا هو تفاقم خطورة المشكل مجتمعيا، خاصة لما يتعلق الأمر تحديدا بالأشخاص في وضعية إعاقة. وذلك عندما نتحدث عن العمل من زاوية المنطق الفلسفي الذي يحدده (أي العمل) باعتباره حقا كونيا. الفكرة الموجهة الثانية مرتبطة بكون العمل مدخلا لرد الإعتبار للفرد عبر الاستقلال المادي الذي يخوله. أما الفكرة الثالثة فترتبط بمدى المعطائية المهنية لهؤلاء الأشخاص في مجال العمل كحقل متميز داخل المجتمع.
عمل وإعاقة. ربط قد ينظر إليه كمجاز. أو أنه شيء غير عادي. وفي أفضل الأحوال قد يعتبر ربطا غير مألوف للأغلبية، ربط عبثي أو هو ضرب من الجنون. هذه النظرة يعززها إقصاء تاريخي ينتاح وقوده من طفح تخلفي لبعض القائمين على الأوساط السوسيو-مهنية. فكل المواثيق الدولية تؤكد على البعد الأولي للحق في العمل ودوره الجوهري في حياة هذه الشريحة. هذا التأكيد على الحق في العمل يقوي الحساسية النضالية لدى الأشخاص في وضعية إعاقة دفاعا عن مشروعية هذا الحق بكسر القيود ومحو الحدود الفاصلة بين الإعاقة والإدماج في أسلاك سوق الشغل. ولكن للأسف الشديد، عوض إرساء سياسات حكومية موجهة صوب رفع هشاشة هذا المكون المجتمعي وجعله منخرطا في بناء مؤسساتي قادر على إدماجه. يتم تأبيد تلك النظرة السلبية والبئيسة تجاهه.
   إن ارتفاع معدل البطالة في صفوف الأشخاص في وضعية إعاقة يعتبر مؤشرا خطيرا ومهولا لنسب التنمية البشرية بالمغرب. فمنذ  سنة 2011 إلى حدود كتابة هذه الأسطر، نظمت الحكومة المغربية مبارتين موحدتين لهؤلاء الأشخاص تحت حالة قاتمة من السخط واليأس. فكان استنكار المعطلين وحاملي الشواهد على ضآلة المناصب المالية المخصصة بالمبارتين عنوانا  شديد اللهجة. كما نددت هذه الشريحة، أيضا، بأشكال التمييز، لسانا ولغة. إن الوعي بقيمة العمل لا يختزل في أن يغدو ضامنا لاستمرارية العيش وفقط، بل يتعداه إلى اللعب فوق طاولة المواطنة بكل أوراق الكرامة، المساواة، العدالة الاجتماعية، تحقيق الذات والتحرر.
التأكيد على البعد التعبيري من تحقيق الذات في ميدان العمل يتبث جليا مدى الرغبة الجامحة للأشخاص في وضعية إعاقة في إثبات كفاءاتهم في إطار الحياة المهنية. بعيدا عن كل تكريم لهذه الفئة المجتمعية، بعيدا عن خطاب المديح لمجهودها المنافس والمقاوم، فإنها لطالما جسدت ماديا الحس الممارسي لإنتاجيتها في مختلف المجالات. حيث إن الانتقال من الإنتاج إلى الإنتاجية عند الشخص في وضعية إعاقة رهين بالدور الوظيفي الذي يلعبه، بحجم ارتباط مهامه بتخصصه الأكاديمي، وبمتانة الرابط الاجتماعي الذي يجمعه مع أصدقائه وصديقاته في الوسط المهني. ففي هذا الصدد، نجدد التأكيد على أهمية الأخذ بعين الاعتبار، حاجياته الخاصة تحت ظلال منطق النوع الاجتماعي.
تأسيسا على ما سبق وختاما لما قيل، يحق لنا القول أن العمل حلقة مركزية في سيرورة الإنتاج. إنه يمكن من تغيير الوضع الاجتماعي للشخص العامل، كما يمكن هذا الأخير من إبراز قيمته المجتمعية. فالعمل وسيلة للعيش ولجلب القوت اليومي. لكنه أيضا حرية للعقل المفكر واليد المبدعة الباحثة عن اعتراف بذاتية إنتاجها. حيث لا يجب إقبار العمل ومن ثم إقبار الشخص العامل في مستويات مادية صرفة،  بل يجب محاولة تجاوزها إلى مستوى الإبداع بجعل العمل المبدع ماهية الإنسان. فعندما يصير الجانب المادي محصنا لدى الشخص في وضعية إعاقة، يكون قد تجاوز إعاقته بخطوات متقدمة، فأصبح شخصا سويا، لأن الإعاقة مجرد وضعية، وهذه هي أطروحة هذا المقال. ولأن أي شخص يحتاج لتحفيز معنوي واعتراف تنويهي. يتحول هذا الاعتراف بمجهود الشخص في وضعية إعاقة إلى محرك أخلاقي في عملية جعله سويا، وهنا تكمن قيمة العمل. 
باحث بسلك الدكتوراه في مجال تحليل الخطاب