adsense

2020/03/31 - 1:17 م

بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق ـ الجزائر
هل الزواج حكر على الأفراد العاديين دون الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة؟
شهدت معظم المجتمعات العربية في العقود الأربعة الأخيرة تحولا و تطورا ملحوظا في مجالات عدة تربوية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية، على أن ثمة قضايا ما زالت توجهها و تحكم عليها تلك العادات و الأعراف التي سادت منذ زمن طويل.
و قضية ذوي الاحتياجات الخاصة بما تمثله من عبء على الدولة و المجتمع تعد من أكثر القضايا الصعبة التي يواجهها المجتمع و الأسرة و الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة لما تتطلبه من وقت و جهد و مال. لذا يمكننا القول بأن قضية ذوي الاحتياجات الخاصة لم تنل الرعاية المطلوبة على الرغم من الجهود المبذولة، و بما يتناسب مع طبيعة و قدرات المجتمع.
و من ناحية ثانية تنطلق أهمية هذه القضية من أن تطور أي مجتمع بات يقاس من خلال الخدمات التي يقدمها لهذه الشريحة الاجتماعية المهمة. و انطلاقا من ذلك: إذا كان عرف الزواج و تقاليده يعكسان ثقافة أي مجتمع، فأين عرف الزواج ذوي الاحتياجات الخاصة من هذه الثقافة؟
من هو صاحب الاحتياجات الخاصة؟
تعار يف كثيرة عرفت الفرد صاحب الاحتياجات الخاصة، لكننا سنعتمد ذاك التعريف الذي يتناسب و موضوعنا، و الذي بين أن  صاحب الاحتياجات الخاصة هو كل فرد يعاني من خلل عن عوامل وراثية أو مرافقة لفترة الحمل أو مكتسبة.
نلاحظ أن هذا التعريف يتضمن نقاطا مهمة و حساسة يغفل عنها معظم من يتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، لا بل ذوو الاحتياجات الخاصة أنفسهم، و لعل السبب الجوهري الكامن وراء ذلك أننا في هذا المجال نفتقر إلى ما يسميه علماء النفس و الاجتماع بـ(( النظرة الشمولية)) و بالتالي نحكم على تعاملنا مع ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تلك النظرة السريعة الآنية التي تكشف لنا أن هذا الفرد لديه إعاقة حسية أو حركية أو عقلية أو سلوكية، متناسبين أو متجاهلين بالمقابل ما يمتلكه من قدرات خاصة تؤهله لأن يكون فردا أنموذجا كأي فرد في المجتمع.
ثقافة الزواج
تعكس ظاهرة الزواج في المجتمع مدى استقراره من جهة و كبيعة العلاقة السائدة بين الجنسين من جهة ثانية، و كما هو معروف بأن الزواج يعني الاستقرار النفسي و العاطفي و الاجتماعي و الجنسي، لذلك اعبر الاقتران بين الجنسين من أهم القضايا الاجتماعية التي رسخها ديننا الإسلامي الحنيف. و قد ركز علماء الاجتماع كافة على دور الحياة الزوجية في استقرار المنظومة المجتمعية. و أشار فالون(VALONk2006)، إلى مزايا العلاقات الزوجية بقوله: يعد الزواج من أقوى الروابط الروحية التي تربط بين المرأة و الرجل كونه الجسر الذي يعبره كل منهما نحو الآخر و ليسير عليه فيما بعد أفراد الأسرة متسلحين بالطمأنينة و الأمان و الاستقرار و الحب، فتتولد لديهم درجة الوعي الذاتي و المجتمعي ترافقهم في كل المراحل العمري.
هل ثقافة الزواج
في مجتمعنا العربية حكر على العاديين؟
لنعد إلى سؤالنا الصريح الذي ركز فيما كان الزواج حكرا على العاديين، و بأنه لا يحق لذوي الاحتياجات الخاصة حتى مجرد التفكير بالزواج، إن إشارة إلى تجارب بعض الدول المتقدمة في هذا الشأن تفيدنا و تساعدنا في إطلاق الأحكام، ففي ألمانيا بينت إحدى الدراسات أن نسبة المتزوجين من ذوي الاحتياجات الخاصة بلغت 53 %، و في أمريكا بلغت54%، و في فرنسا 31%و في بريطانيا 22% و في البرازيل 16%.
ألا يحق لنا التساؤل أين النسب العربية؟
أليس صاحب الاحتياجات الخاصة فردا له مشاعر و أحاسيس، أليس فردا يشاركنا هموم الحياة، أليس فردا له حقوق و عليه واجبات كالآخرين، ألم يأتي بالحديث الشريف: (( إن أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه)). لماذا لم تحدد مواصفات الزوج الأخرى؟
هذا من جهة، و من جهة أخرى ألم يذكر لنا التاريخ أسماء لا يزال ثقلها يرن في أذاننا على الرغم من إعاقتها مثل المعري و بشار بن برد و بيتهوفن و طه حسين، الذين قدموا للبشرية بصمات لا تنسى.
زواج ذوي الاحتياجات الخاصة حق مشروع
نعم،إنها الحقيقة التي علينا الاعتراف بها، و نحن جميعا مطالبون بالسعي من أجل تجسيدها على أرض الواقع، فصاحب الاحتياجات الخاصة المقبل على الزواج عليه أن يحقق حلمه ما دامت تتوافر به كالعادي شروط الاتزان و امتلاك العقل الراجح و الاستقلالية الاقتصادية. و لعل هذا الحق المشروع نابع من الأسباب التالية:
1 – صاحب الاحتياجات الخاصة فرد فعال في المجتمع بما يمتلك من قدرتي و إمكانات خاصة.
2 – صاحب الاحتياجات الخاصة عضو فاعل في آلية التنمية المجتمعية.
3 – إذا أعطي صاحب الاحتياجات الخاصة الكفء فرصته سيثبت مهاراته و قدراته في الموقع الذي يشغله.
4 – لا يحق لأحد أن يخطط و يفكر بدلا عن صاحب الاحتياجات الخاصة لا في حاضره و لا في مستقبله.
5 – و أخيرا: الزواج حق مشروع لكل مقتدر عاديا كان أم من ذوي الاحتياجات الخاصة.