adsense

2019/02/24 - 2:52 م

بقلم الاستاذ حميد طولست

تمهيد :هل الإنتحار فعل لا أخلاقي أم هو تعبير عن الرفض للأوضاع؟
في لقاء مع بعض الأصدقاء بأحد مقاهي وسط المدينة ، تحول ما أقدم عليه الطفل " نبيل " ذو 12 ربيعا ،-والذي يشتبه بأنه وضع حدا لحياته بسبب قسوة زوجة أبيه ، كما جاء في رسالته المؤثرة التي يقول فيها : "قهروني قهروني وسبابي مراة با" وأوصى بدفنه بجوار قبر والدته- إلى موضوع نقاش حول إقدام الإنسان السوي على الارتماء في أحضان الموت بمحض إرادته ، وخطورة ما يلاقيه من آلام مع ذاك المجهول الذي يخشاه ويفر منه الجميع ، والحديث حول الأسباب والدوافع العميقة التي تجبر المرء على التخلي عن حياته حين تضن عليه بأبسط الحقوق ، الكرامة ، والحرية ، ولقمة العيش في مجتمع يكتفي باختزال الإنتحار بكل أشكاله في اللأخلاقي واللاديني ، ويصف من يقدم عليه ، بالمتهور والجاهل والخارج عن الدين ، ويحمله مسؤولية فعله الذي لا جزاء له عليه ، غير جهنم خالدا فيها.
الفعل الذي اعتبره بعض من المشاركين في نقاشنا ، موقفا تدميريا إرهابيا إفنائيا، نابعا من لحظة عدمية متعالية لظاهرة نفسية نفسانية مرضية، وناتج لتأثيرات فيزيولوجيو وعوامل جوية مناخية يمرّ بها ومعها كل الذين أقدموا على الإنتحار ، وهم في حالة من الاضطراب العقلي أو الضيق النفسي الذي اضطرهم إلى اقتراف ذلك الفعل الشنيع، بينما اعتبره فريق آخر من حلقة النقاش ، أنه موقف إبداعي يستحق منا التقدير والاحترام والإحساس بالذنب نحو الذي أجبره على فعل لا مسئولية له فيه ، بدل الشفقة والتعاطف  الغير مجديين.
ورغم يقيني بأن الانتحار هو عمل ينطوي على كثير من المخالفات الشرعية والقانونية والإنسانية، وأنه فعل مرفوض شرعا وعقلا وأخلاقا، ويقع في حكم الجرائم المنهي عنها شرعا ، والتي لا يجوز ارتكابها تحت أي دافع ولأي سبب كان، لأنه طريقة موت فظيعة ومؤلمة جدا، لا يتمناها الإنسان السويّ حتى لألذ أعدائه، ولأن الجسد أمانة ووديعة بين يدي الإنسان، وهو مسؤول على الحفاظ عليها ، ولا يحق له الإساءة له لأي سبب كان". لقوله سبحانه وتعالى: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً "النساء29 ..
فإنه من التجني، أن نلوم العاطلين والفقراء المسحوقين على تفضيلهم الموت انتحارا ،رغم فظاعة ذلك ، على وطأة القهر والتعدي على الكرامة ، وخاصة بين من تعوزهم قدرة وقوة الوقوف في وجه الظلم والقهر والإهانة الناتج عن الحرمان من الحقوق،
وكان الأجدر بالمنتقدين، قبل أن يلوموا من يموت تشوقا لاحتضان الحرية والكرامة والحياة ، الرغبة الإنسانية المشروعة، أن يفهموا بأن عمق الألم وحجم المعاناة وكمّ القهر والإهانة وضياع الحقوق، والتقلب بين أحضان الفقر والظلم ، هو أكبر وأفظع من الموت انتحارا شنقا أو حرقا أو غرقا ، وهو أخطر الجرائم التي ندد بها القرآن الكريم وجميع الكتب السماوية، ونهى عنها وعليهم لوم من يتحمل مسؤولية ما وقع ويقع في عالمنا المتخلف في كل شيء، الذين يسيرون شؤون الناس حسب أهوائهم البعيدة عن أوضاع الناس السيئة السوداء ، وظروف القهر والفقر التي تصيب بالحنون ، وأختم بقولة الشافعي رحمه الله: "لا تستشر من ليس في بيته دقيق لأنه مدلّه العقل"، أي ذاهب العقل .