adsense

2014/06/26 - 7:32 م

 يحسب السائح أو ألغريب عن مدينة الجديدة نفسه، وهو يلج ليلا إلى عاصمة دكالة، عبر بوابتها الشمالية، أنه في أوروبا، أو إحدى عواصم دول الخليج. إذ تحتضنه الجديدة بذراعيها المفتوحتين، وتستقبله بوحداتها السياحية وفضاءاتها الخضراء، وبالورود والأزهار المتفتحة صيف – شتاء، وبأشجار النخيل الشامخة، والمصابيح الزرقاء المثبتة على طول جنبات الطريق، وبمدارتها التي تنبعث منها نافورة  متدفقة مياهها العذبة. لكن ما أن يعرج على الشاطئ حتى يستفيق من الحلم الوردي، على وقع كابوس الخراب الذي حل بأكشاكه، ووقع التلوث البيئي الذي تتخبط في مستنقعه.
هي الجديدة، عاصمة دكالة، التي وصفها المارشال "ليوطي"، مطلع القرن العشرين، عندما كان الاستعمار الفرنسي جاثما على صدر المغرب، ب"الدوفيل المغربية". شاطئها الجميل جعل المعمر من رماله الذهبية وفضائه الفسيح، قبلة للراحة والاستحمام والترفيه، وقضاء لحظات حميمية.
لقد ظل ال"كازينو" الذي أقامه الفرنسيون على شاطئ الجديدة، فوق أمواج المحيط الأطلسي، شاهدا على المكانةالخاصة التي حظي بها(الشاطئ) في حياتهم، إلى أن مر من هنا "الوندال الجدد"، أعداء الحضارة والإنسانية، وأزالوا من على وجه البسيطة هذه التحفة،التي كانت آية في الهندسة المعمارية والجمال، ومعها طمسوا صفحة مشرقة من تاريخ مزاغان والمغرب. إذ لم يعد له (الكازينو)  أثرإلا في الذاكرة الجماعية، وفي الصور الفوطوغرافية النادرة.
إن ثمة هوة عميقة بعمق المحيط الأطلنتيكي بين شاطئ الجديدة بالأمس وشاطئ الجديدة اليوم، والبنيات التحتية التي تؤثث فضاءه، وفي طليعتها الأكشاك التي يناهز عددها ال300 وحدة. أكشاك حل بها الدمار، دمار تسبب فيه بإهمالهم ولامبالاتهم، القائمون على  الشأن العام من منتخبين وسلطة الوصاية والسلطات المحلية.
فحيطان الأكشاك لحقها الخراب المتعمد مع سبق الإصرار، وجل أبوابها ونوافذها تم تحطيمها واقتلاعها. منها ما كان وقودا وحطبا للفرانات والحمامات التقليدية، ومنها ما استعمل في البناء العشوائي الذي عرف ازدهارا وتفريخا. فهذا الواقع الكارثي، عاينته ووقفت عليه عن كثب، صيف السنة الماضية، لجنة محلية مختلطة من السلطات المحلية والجماعية والأمنية، والتي ظل تقريرها حبرا على ورق، لا يساوي حتى المداد الذي دونت به. حيث تجهل القرارات إن كانت ثمة فعلا قرارات وتدابير اتخذتها (اللجنة المحلية).
لقد أضحت هذه الأكشاك المفتوحة على مصراعيها معقلا للمنحرفين، ومرتعا خصبا للرذيلة واستهلاك المخدرات واحتساء الكحول، وممارسة الفساد والشذوذ الجنسي، وكذا، مراحيض يقضي فيها "الشماكريا" حاجاتهم الطبيعية، كما يظهر بالواضح والملموس من الصور وال"فيديو"الصادمرفقته. ما ينعكس سلبا على جمال وجمالية شاطئ الجديدة، ويساهم بشكل خطير في تلوث المحيط الإيكولوجي.
إن واقع الأكشاك الكارثي الذي لم ولا يحرك ساكنا لدى السلطات المعنية والوصية ولدى المجتمع المدني، سيما فعاليات مهتمة بالبيئة، فوت على بلدية الجديدة كراءها، للسنة الثانية على التوالي، ومن ثمة مداخيل مالية هامة من المفترض والمفروض أن تذهب إلى الميزانية الجماعية. كما أن هذه البنية التحتية المهترئة والملوثة، تضر بالسياحة في عاصمة دكالة، سيما أن سياحا أجانب من العيار الثقيل، يحلون بمنتجع "مزاغان رسورت بيتش"، يترددون على مدينة الجديدة وعلى شاطئها، ومن ثمة يعودون  إلى بلدانهم الأصلية محملين وحاملين لانطباعات سيئة وسلبية على هذا الشاطئ "الخلاب". وقد شوهد بعضهم يلتقطون صورا فوطوغرافية لتلك الأكشاك، التي تعتبر وصمة عار على جبين من أوكل لهم أمر تدبير الشأن العام.
 هذا، وقد عمدت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، صيف سنة 2013، إلى منح علامة "اللواء الأزرق" البيئية لفائدة عدة شواطئ مغربية منخرطة في البرنامج الوطني "شواطئ نظيفة"، ضمنها شاطئ الجديدة الممتد على طول 1500 متر. ويطمح القائمون على الشأن العام أن يحظى هذا الشاطئ،صيف هذه السنة، وللمرة الثانية على التوالي، بشارة اللواء الأزرق.
 فماذا عسى أن يكون موقف مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، وهي تعاين عن كثب، من خلال الصور و"الفيديو" الصادم، الذي نعرضه، الواقع الكارثي لأكشاك شاطئ الجديدة (...)، علما أن الحصول على علامة "اللواء الأزرق" مقيد بمدى الامتثال لشروط تهيئة الشواطئ وتدبيرها، واحترام المعايير المتعلقة بالبيئة العامة وتدبير المياه وتدبير النفايات والتربية على البيئة؟
وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة تقوم، منذ سنة 2002، بالإشراف على البرنامج الوطني "شواطئ نظيفة"، الذي يدعمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة السياحة العالمية، وكذا المكتب الوطني المغربي للسياحة.  وقد عرف بالمناسبة هذا البرنامج تطورا ملحوظا بفضل التقدم الذي أحرزه البرنامج الوطني "شواطئ نظيفة"، سيما "جوائز للا حسناء" التي ترمي إلى تشجيع أفضل الممارسات على الشواطئ المنخرطة في هذا البرنامج.وتكمن الغاية على المدى المنظور في منح علامة "اللواء الأزرق"، لفائدة أكبر عدد من الشواطئ المغربية، من أجل تمكين التراث الشاطئي في المملكة من التوفر على أفضل المعايير الدولية.
آه ! لو علم المارشال "ليوطي"ما آلت إليه "الدوفيل المغربية"، وحال الواقع الكارثي الذي تتخبط في مستنقعه، لتقلب في تابوته (!!). واقع  لم يعد للأسف يحرك  ساكنا في النفوس. وقد اختار بعضهم احتضان المهرجانات الوطنية والدولية، وتنظيم حملات، تمليها الظرفيات والمناسبات، وما يواكب ذلك من إهدار للمال العام والخاص، وبهرجة أمام عدسات الكاميرات ووسائل الإعلام الوطنية والدولية.
أملنا أن تحرج الصور الفوطوغرافية وال"فيديو" الصادم رفقته، القائمين على الشأن العام، ومنتخبينا ومسؤولينا الجماعيين، وسلطاتنا، وسلطة الوصاية، السلطة الإقليمية الأولى معاد الجامعي، عامل إقليم الجديدة، الذي وضع في هثقته المولوية الملك محمد السادس،وأن تحثهم، كل من موقع مسؤوليته، على تفعيل اختصاصاتهم وصلاحياتهم القانونية والدستورية، وأن يستوعبوا "الدرس والعبر" من مضامين الخطاب السامي الذي كان جلالته ألقاه بمناسبة افتتاح  أشغال البرلمان، برسم دورة  أكتوبر  2012.