adsense

2020/12/16 - 10:43 ص

الرؤية الإماراتية

«ولدتُ في المغرب، قبل 66 عاماً. ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش في سلام تام، إلى جانب إخوتي وأصدقائي المسلمين المغاربة، الذين تربطني بهم علاقة استثنائية؛ بعيدة كل البعد عن الصراع العربي- الإسرائيلي»، هكذا بدأت المغربية اليهودية، سوزان هاروش، حديثها لـ«الرؤية».

سوزان، هي واحدة من «نحو 3 آلاف يهودي يعيشون حالياً في المملكة المغربية، بعد أن كان عددهم نحو 400 ألف، قبل أن يرحلوا إلى إسرائيل، بعد عام 1948، بحسب تصريحات رئيس الطائفة اليهودية في مراكش، جنوب البلاد، جاكي كادوش، لـ«الرؤية».

ويحظى اليهود المغاربة بعناية ملك البلاد، محمد السادس، باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، للحفاظ على حالة التعايش بين كافة الطوائف. وكان إدريس الأول، مؤسس أول دولة إسلامية في المغرب سنة 172 هجرية، هو من بدأ تبني هذا التوجه في التعامل مع يهود المغرب، وفق ما صرح به الرئيس المؤسس لجمعية مغرب التعايش، فيصل مرجاني، في حديثه مع «الرؤية».

مظاهر تلك العناية الملكية الخاصة، والتعايش بين مسلمي المملكة ويهودها، كثيرة؛ من أبرزها أن طاقم مستشاري الملك محمد السادس يضم المستشار اليهودي المغربي، أندري أزولاي، الذي كان يشغل المنصب نفسه في عهد الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني.

وإلى جانب أزولاي، يتقلد عدد من اليهود مجموعة من المناصب المهمة في المغرب، منهم ألبير ساسون، عضو اللجنة الدائمة للبحث العلمي والتقني والابتكار في المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي كان أيضاً عضواً في لجنة صياغة الدستور المغربي. وسيرج بيرديغو، الذي كان وزيراً للسياحة في عهد الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، ويشغل حالياً منصب الأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية في المغرب.

وتم إدراج المكون اليهودي، ابتداء من العام الدراسي الحالي، في درس التاريخ داخل مقرر مادة الاجتماعيات، لتلاميذ الصف السادس الابتدائي.

وكشفت اليهودية المغربية العاملة في قطاع الفلاحة لِيَا بن شتريت، لـ«الرؤية» أنها "وجهت رسائل إلى الملك بخصوص هذا الموضوع وتمت الاستجابة لها».

قدوم اليهود                                         

وبحسب الرئيس المؤسس لجمعية مغرب التعايش، فيصل مرجاني، «فإن اليهود قدِموا إلى المغرب قبل 2500 عام؛ إذ بدؤوا في الهروب نحو شمال إفريقيا، بعد سقوط هيكل سيدنا سليمان في القدس على يد البابليين، ووصلوا إلى المغرب مع القوافل التجارية الفينيقية والقرطاجية، ثم أسسوا مجموعات في المنطقة، وتعاملوا آنذاك مع المغاربة الأمازيغ».

وقال مرجاني، في حديثه لـ«الرؤية» إن "إدريس الأول عندما وصل إلى المغرب، وأسس أول دولة إسلامية، حرص على خلق علاقة تعايش بين سكان البلد من الديانتين، ومنذ ذلك الحين والعلاقة طيبة بينهم، إذ وصلت إلى حد إرضاع نساء المسلمين لرضع اليهود، وهو الأمر نفسه الذي قامت به نساء اليهود مع رضع المسلمين».

جسد واحد

وفي حديثهم لـ«الرؤية»، أكد مجموعة من اليهود أنهم يشعرون بأنهم جزء من المجتمع المغربي وأنهم يحظون بأحسن معاملة من الملك محمد السادس، ومن قِبل المغاربة؛ مواطنينَ وسلطات.

وقالت سوزان هاروش، التي كانت تشغل منصب مديرة فندق في العاصمة الرباط، في حديثها لـ«الرؤية» إن المسلمين المغاربة إخوة لي؛ يزورونني عندما أكون مريضة، ويتبادلون معي الزيارات، ويتجولون ويسافرون معي، مضيفة أنها تعتبرهم أهلها، بعدما غادر جميع أفراد عائلتها المغرب.

وتجهز سوزان خلال شهر رمضان وجبة الإفطار لأصدقائها المسلمين، في حين يحتفل معها هؤلاء بليلة «الميمونة» في بيتها، وهي حفلة ينظمها اليهود المغاربة مباشرة بعد انتهاء 7 أيام من الصوم عن تناول مأكولات معينة، ضمنها المخبوزات، في شهر أبريل من كل سنة، ويجلبون لها معهم كل المأكولات، التي كانت محرمة عليها خلال تلك المدة، بحسب ما قالت سوزان لـ«الرؤية».

وبينت سوزان الحاملة للجنسية المغربية أنها تذهب إلى إسرائيل من حين إلى آخر، لزيارة أقاربها، «لكن المسلمين المغاربة وسلطات المملكة يفصلون جيداً، بين المشكل القائم بين إسرائيل وفلسطين، وعلاقتهم باليهود المغاربة».

التعايش والعلاقة الطيبة، البعيدة عن الصراعات الدينية والسياسية، بين المسلمين واليهود المغاربة، أكدتها أيضا لِيَا بن شتريت، التي انتقلت للعيش في المغرب قبل 5 سنوات، بعد أن كانت مستقرة في فرنسا بعد الرحيل عن إسرائيل التي هاجر إليها والداها.

وقالت ليا لـ«الرؤية»: «لا أحس نفسي غريبة في هذا البلد. الناس والسلطات هنا يعاملونني بطريقة جيدة. ولدي الكثير من الأصدقاء المسلمين، والأمازيغ، من جميع الأجناس والأعمار».

ممارسة العبادات

بحسب رئيس الطائفة اليهودية في مراكش، كادوش، الذي ولد في المغرب وعاش حياته كلها به، فاليهود المغاربة «يمارسون عباداتهم في المملكة دون مواجهة أية مشكلة، وتحت حماية السلطات المغربية، التي تحرس المعابد اليهودية، حتى لا تتعرض إلى هجوم من قِبل بعض الأطراف، التي يمكن أن تأتي من خارج المغرب».

وأوضح كادوش، «أن المعابد اليهودية منتشرة في العديد من المدن المغربية؛ 20 منها في الدار البيضاء، و2 في مراكش، إلى جانب معابد أخرى في طنجة، وفاس، ومكناس شمال البلاد.

وأكد كادوش لـ«الرؤية» أن "الملك محمد السادس يشمل اليهود دائماً برعايته، ويحرص على حل مشاكلهم»، وضرب المثال «بتدخل جلالته قبل 3 سنوات، لإعادة تسمية أحياء حي المَلَّاح في مراكش بأسماء أعلام يهودية، بعدما قام عمدة المدينة في وقت سابق باستبدالها بأسماء لشخصيات عربية».

وبالنسبة لقضايا الزواج، والطلاق، والميراث، التي تخص اليهود المغاربة، فإن المحاكم العبرية في المغرب هي التي تبت فيها.

وتعتمد تلك المحاكم على قانون الأحوال الشخصية الخاص باليهود المغاربة، وعلى القانون العبري، لكنها تصدر أحكامها باسم الملك، لكي يكون للحكم قوة تنفيذية، بحسب ما أوضحه الحاخام في المحكمة العبرية بالمغرب، يوسف إسرائيل، في تصريحات إعلامية.

استئناف العلاقات

وقرر العاهل المغربي الخميس الماضي تسهيل الرحلات الجوية المباشرة، بين إسرائيل والمغرب، وهو ما اعتبره من تحدثوا لـ«الرؤية» مكسباً كبيراً.

وأوضح رئيس الطائفة اليهودية في مراكش أنه «من أصل أكثر من مليون يهودي مغربي يعيشون في إسرائيل، يزور المملكة سنوياً ما بين 60 و70 ألفاً»، متوقعاً «أن يرتفع العدد بعد عودة العلاقات».