adsense

2020/04/09 - 4:03 م

بقلم عبدالحي الرايس
الأنانية أَثَرَةٌ ونَرْجسِيَّة، تَضَخُّمٌ لِلْأنا وحُبٌّ للذاتـ، والْغَيْريَّة إيثارٌ وسَخَاء، وزُهْدٌ ونُكْرانُ ذَات، وبين النموذجيْن مراتبُ ومسافات.
الأناني يَنْكفئُ على ذاته، يَنْزعُ نحو الاسْتعلاء، ويتسَلَّقُ سُلَّمَ الإثْراء، ومَهْما حقق من مكاسب، فهو في غيرها رَاغِب، يَمُرُّ بالفقير، فيقولُ هذا قدَرُه، ويَقْصِدُهُ الْمُحتاجُ فيُحيلُه على غيره، وهو في كل ذلك مَزْهُوٌّ بما لديْه، مُتطلعٌ إلى ما ليْس له.
والْغيْريُّ يتواجدُ مع غيْره، وينْشغلُ بِهُمُوم الآخرين، وبقضايا البلد، والكون، والإنسان، فينْفطرُ قلْبُهُ لِمَرْأَى الْبائِس المُحْتَاج، والبلدِ إذا عانى من الخصاص، أو اجتاحَهُ الْوبَاء، والْكَوْنِ إذا تغير به المُناخ، والإنسانِ إذا تَهدَّدهُ الْفَناء.
والأنانيُّون قِلَّة، والغيْريُّون كَثْرة، وهم على كثرتهم لا يملكون الكثير، ولكنهم بِفيْض أحاسيسهم يَهَبُونَ ويُمْعِنُون في البَذْل والعطاء، وعليهم يَنطبق قوله تعالى: " ويُوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"
ومن هنا كان الْمُسَارِعُون إلى إيواءِ مَنْ يفترشون الْعَراء، وإطْعامِ من يقْتاتون ببقايا الطعام، وكِسَاءِ من يرْتدُون الأسمال.
وكان المبادرون إلى بَذْلِ المال لِسَدِّ الخصاص، ودَعْمِ مُبادراتِ الْبِنَاءِ والنَّماء، والمتطوِّعُون للعناية بالمجال، شعارُهم "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون"، وهاجِسُهم: لنقتصدْ في استهلاك الثرواتِ الحاضرة، تحسُّباً لحاجيات الأجيال القادمة.
والْكُلُّ يَفْنَى ويَزُول: الأنانيُّ يَرْحَلُ مُخَلِّفاً وراءه كلَّ ما راكمَهُ واقتناه، والْغَيْرِيُّ يَمْضِي ومعه صدقاتٌ جارية، وعُهُودٌ لهُ راعية، وقلوبٌ بِحُبِّهِ عامِرَة.
فلْيَخْتَرْ كلٌّ خانَةً يُصنَّفُ فيها، فالأعْمارُ فانية، والدنيا زائلة، وغداً عندما يُواجِهُ كلٌّ قَدَرَهُ يُردِّدُ في حَسْرَة..."يا ليْتني قدَّمْتُ لحياتي".