بقلم عبد الغني  فرحتي
من بين الاحتياطات
الأساسية التي ينبغي الالتزام بها للوقاية من فيروس كورونا، الحرص على النظافة. وهو
أمر تلح عليه منظمة الصحة العالمية، كما تلح عليه العديد من الوصلات التوعوية ومن تدخلات
المرتبطين بقطاع الصحة. هناك إلحاح على المواظبة على غسل اليدين وفركهما بالصابون أو
بمواد كحولية معقمة.
 " النظافة من الإيمان" كما جاء في الحديث.
لكن هل المقصود نظافة المظاهر الخارجية للجسم أم أن المعنى يمتد ليشمل الأحوال الباطنية
للنفس؟ سؤال مثل هذا، يدعونا إلى استحضار مفهوما فلسفيا يعود ظهوره إلى الفيلسوف اليوناني
الكبير أرسطو، إنه التطهير. وهو مفهوم يربطه بالفن وخاصة بالمسرح. إن الهدف من الدراما،
عند أرسطو هو أن يتطهر المشاهدون من الانفعالات المرتبطة بهموم الحياة والمآسي العالقة
بها لتستعيد النفس توازنها.
بيت القصيد في
كل هذا هو إبراز أن نظافتنا، ونحن نواجه الحياة اليومية، ونحن نروم الوقاية من العدوى،
لا تنحصر فقط في المظاهر الخارجية للجسم، بل أن ينبغي أن تكون أكثر عمقا لتغدو تطهيرا
للنفس أيضا. أستحضر هنا قول الله تعالى في سورة الأعراف: " يا بني آدم قد أنزلنا
عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى". وتذهب العديد من التفسيرات لهذه
الآية إلى أن المقصود بها أمران: لباس الستر، ستر الجسد (العورة الخارجية) ولباس التقوى
أي ستر النفس (العورة الداخلية)، أي تطهيرها من الأهواء القبيحة من حقد وطمع والميل
إلى المعاصي. وبالمقابل اتصاف النفس بالورع والعمل الصالح. وهذا ما يمكن أن ينسجم إلى
حد ما مع المفهوم الفلسفي للتطهير. 
 " كم نقمة تحمل في طيها نعمة" كما يقال.
وهكذا إذا كان العالم أجمع يعاني في مواجهة جائحة كورونا التي هزت أركان الدول كبيرها
وصغيرها، قويها وضعيفها، بسبب الارتفاع المتواصل لعدد الضحايا، فإنه، مع ذلك، لا يمكن
إلا أن نسجل بعض الأمور الإيجابية التي تولدت من رحم المعاناة ونحن نجابه الوباء وتداعياته.
وهي أمور لها صلة بالتطهير وبتنقية وستر العورة الداخلية.
فبالنسبة لبلدنا
المغرب، وإضافة إلى عودة وارتفاع منسوب الثقة بين المواطنين والدولة والتي ينبغي العمل
على تثمينه وتقويته في أفق بزوغ عقد اجتماعي جديد، وإلى جانب الحرص على الالتزام بقواعد
النظافة كإجراء احترازي، ضمن إجراءات أخرى، لا بد من تطهير للنفس عبر استبطان العديد
من القيم التي واكبت مواجهة المغاربة لجائحة كورونا، نذكر منها على الخصوص، قيم التضامن.
العديد من الأشخاص الذاتيين هبوا لدعم أسر فقيرة. هناك جمعيات سخرت إمكانياتها للتوعية
وتوزيع المساعدات رغم ظروف حالة الطوارئ المفروضة.
وإذا كانت السلطات
العمومية قد دشنت هذا الورش التضامني  من خلال
صندوق مواجهة الجائحة الذي عرف ولا يزال يعرف مساهمات الأفراد والمؤسسات، وهو ما أتاح
للعديد من الشرائح الاجتماعية الهشة الاستفادة منه، فإننا كأفراد مطالبون أيضا، ودعما
لهذا الورش التضامني، بالتخلص من أنانيتنا وتطهير أنفسنا من الأحقاد ومن الغش في المعاملات
والاستهتار بالواجب. نعم إن الفيروس قاتل، لكن يمكن أن يكون مناسبة لصحوة الضمير وانبعاث
روح الإخلاص في العمل الذي للأسف لا تزال كثير من النفوس تفتقر إليه.  
