adsense

2015/10/09 - 11:32 ص


القلم الحر

بغض النظر عن مصلحة موسكو في إبقاء الأسد من عدمه، لكن وجودها العسكري في سوريا، يأتي ضمن خطط طويلة الأمد تهدف إلى استعادة مكانتها العسكرية وانتهاج عقيدة توسعية جديدة، بعد أن انتهجت سياسة عسكرية تتسم بالضعف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
ويرى مراقبون أن سوريا هي وسيلة روسيا لتحقيق أهدافها في خطتها التوسعية الجديدة، ضمن مواجهة باردة مع أمريكا التي لم تدخلها بالتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، وتركيا التي تريد إنشاء منطقة آمنة على الحدود وتطالب باستهداف الأسد بدلاً من تنظيم "داعش".
- هزيمة أفغانستان
وفي مداخلة له على قناة فوكس نيوز، في الأول من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، اقترح جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي، تزويد "الجيش السوري الحر" بما يلزم من معدات لإسقاط الطائرات الروسية العاملة إلى جانب المقاتلات السورية (التابعة للنظام)، على غرار ما تم استخدامه ضد الطائرات المروحية (الهلكوبتر) السوفييتية في أفغانستان.
ويعكس الإرث الذي خلفه غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان واستمر عشرة أعوام، والهزيمة التي مني بها هناك على يد المعارضين، التأخر الروسي في التدخل بسوريا بعد مرور سنوات على الثورة، وهو أيضاً ما تجلى بوضوح في تردد موسكو بشأن التورط في أفغانستان مرة أخرى.
والتدخل السوفييتي في أفغانستان هو اسم يطلق على حرب دامت عشر سنوات انتهت بانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان عام 1989، وكان الهدف السوفييتي منها دعم الحكومة الأفغانية الصديقة للاتحاد، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للسوفييت، الذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للاتحاد السوفييتي من ضمنها أمريكا.
- الهيمنة الغربية
واليوم تعيد روسيا الكرّة من خلال بوابة دمشق، بهدف تحجيم الدور الأمريكي في المنطقة، واحتواء دول أخرى مقابل خسارتها في أوروبا، فضلاً عن حاجتها لاستعادة هيبتها العسكرية بعد أن تزعزعت في أفغانستان.
وفي تحليل له، يقول مركز كارينغي للشرق الأوسط: إن "روسيا لا تخفي نزعتها لتحدي ما تصفه بـ"الهيمنة الغربية على العالم"، وكان آخرها تحدي الغرب في كل من سوريا وأوكرانيا. هكذا، وفي جانب منه، يبدو التحرك العسكري الروسي الجديد في سوريا كرد فعل على استبعادها من المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق".
وهذا الأمر دفع موسكو إلى المشاركة في الحرب على الإرهاب بتأسيس تحالفها الخاص في المنطقة التي يحكمها الأسد من سوريا، مقابل تحالف "غير شرعي بني على أسس خاطئة"، بسبب استبعاده الأسد، وفق ما تعتقد روسيا وإيران حليفتا النظام السوري.
وباشرت روسيا إرسال تعزيزات عسكرية إلى سوريا بعد أن فشل اقتراحها الأخير بتشكيل "تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب" يجمع دول الجوار، وخصوصاً تركيا ودول الخليج، في تحالف واحد مع إيران والنظام السوري لمواجهة تنظيم "الدولة".
اقتصادياً تدرك روسيا جيداً، وهي الدولة التي تعتمد بدرجة كبيرة على تصدير الغاز الطبيعي، أهمية موقع سوريا لكونها مكاناً محتملاً لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا، ومن ثم إلى أوروبا، وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية (تتجاوز حصة الغاز الروسي من إجمالي الواردات الأوروبية 64%).
هكذا، تندفع روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري لأنها تفضل أن يكون لها حصة في تطوير هذا القطاع، بدلاً من أن تتنافس معه في المستقبل، كما يقدر مركز كارينغي.
إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن تقييم التحرك الروسي في سوريا يُرجّح حسابات الربح إيرانياً على الصعد كافة ، وأن الحديث عن القلق الإيراني من هذا التدخل لا يعدو كونه شعوراً بالمنافسة على مناطق النفوذ يصدر من قراءة غير دقيقة للعلاقات الأمنية والسياسية والمصالح التي تجمع طهران بموسكو ، لأن الأمر أكثر من كونه تحركا تكتيتيا، بل أننا لا نبالغ اذا وصفناه بأنه تحوّل إستراتيجي يصب في مصلحة إيران وحلفائها.

وعلى الصعيد الدولي فأن قوى كثيرة تأمل في حل سلمي للأزمة السورية، لكن المعطيات الراهنة تشير إلى ترجيح سيناريوهات استمرار الحرب وعلى نطاق واسع، خاصة وأن الوجود الروسي أصبح مثله مثل التحالف الدولي لمحاربة داعش ، جزءا من المشكلة ، حتى وإن كان الهدف منه الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومحاربة قوى التطرف التي تتشح برداء الدين .
وليس أبلغ من تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للدلالة على ذلك حيث أكدت “إن الجهود العسكرية ستكون ضرورية في سوريا لكنها لن تحل المشكلة.. نحتاج لعملية سياسية، لكن هذا لا يسير بشكل جيد حتى الآن" ., موضحة أنه “للتوصل إلى حل سياسي أحتاج كلًّا من ممثلي المعارضة السورية ومن يحكمون حاليًا في دمشق وآخرين أيضًا، من أجل تحقيق نجاحات حقيقية، ثم والأهم من ذلك حلفاء كل مجموعة " .

فيما يرى مراقبون أن الحل السياسي للأزمة السورية لم ينضج بعد، وقد يكون على السوريين الانتظار سنوات أخرى ، حتى تضع الحرب أوزارها بعد فشل كل القوى في تحقيق نصر حاسم، الأمر الذي سينتهي بالأطراف المتصارعة إلى مواصلة الحرب من أجل إثبات وجودها، وهنا لابد من نصرة أحد الأطراف على حساب باقي الأطراف، وهو ما تقوم به روسيا من خلال تدخلها العسكري .