adsense

2022/08/17 - 2:09 م

كشفت قناة "دوتش فيل" الألمانية، اليوم الأربعاء، أن ملفات حساسة تغرق علاقات المغرب وفرنسا في مستنقع، وذلك على خلفية "الأزمة الصامتة" بين الرباط وباريس، والتي انعكست في قرار الحكومة الفرنسية، تقليص التأشيرات المسلمة للمواطنين المغاربة.

واعتبر التقرير، عن خلفيات توتر "صامت" بين الرباط وباريس، أنه بحكم رصيدها التاريخي والبشري وكثافة مجالاتها باتت علاقات الشراكة بين فرنسا والمغرب تتجاوز الأبعاد التقليدية في علاقات الدول، إذ يعتبر المغرب حليفا تقليديا ثابتا بالنسبة لفرنسا في القارة الأفريقية، ويوجد به أكبر جالية فرنسية في الخارج، وتحظى الشركات الفرنسية (أكثر من ألف شركة) بأفضلية كبيرة في السوق المغربية ولاسيما في القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد المغربي، ويأتي المغرب ضمن أفضل وجهات سياحية لدى الفرنسيين، بعد إسبانيا واليونان وجزر موريس (المحيط الهندي).

كما يحظى المغرب في فرنسا بمكانة خاصة، ففضلا عن كونها تستقبل أكبر جالية مغربية في الخارج (1,5 مليون شخص) وهي ثاني أكبر جالية أجنبية بفرنسا بعد الجزائريين.

وأوضح التقرير، أنه لدى باريس والرباط، مداخل كبيرة في التأثير المتبادل على القرار السياسي، فكما لدى فرنسا شبكات نفوذ تقليدية واسعة داخل النخب السياسية والفكرية المغربية، طور المغرب عبر التاريخ مراكز نفوذ وجماعات ضغط مؤثرة في السياسة الفرنسية، كما تشكل العلاقات الخاصة والكيمياء بين ملك المغرب وساكن قصر الإليزيه عاملا أساسيا في استقرار علاقات البلدين أو اضطرابها.

ولفت التقرير، أنه بيد أن عمق وكثافة العلاقات المغربية الفرنسية، لم يمنع من تعرضها تاريخيا إلى أزمات وكان معظمها في عهد الحكومات الإشتراكية بفرنسا (فرانسوا ميتران مثلا) ومن أهم العناصر المؤثرة في مراحل الاضطراب التي شهدتها العلاقات، ملفات الصحراء المغربية والمصالح الاقتصادية والأمنية، كما رغم حساسية ملفي التأشيرات والتجسس، فإن تجاوزها لا يبدو مستعصيا على آليات احتواء المشاكل بين الرباط وباريس، مما يرجح برأي مراقبين وجود عناصر خلافية أخرى أكثر عمقا في بنية العلاقات.

وأكد التقرير، انه منذ وصول الرئيس ماكرون للحكم (سنة 2017) شهدت العلاقات حالة تذبذب وتراجع خصوصا بالقياس لفترات نموها في عهد الرئيسين المحافظين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، ويمكن رصد ملامحها في المعطيات التالية:

أولا، تراجع مكانة فرنسا كشريك للمغرب: بدأت في السنوات الأولى بوتيرة قوية ظهرت في تطور العلاقات الاقتصادية وضخ استثمارات فرنسية كبيرة في قطاعات أساسية كالصناعة والنقل والسياحة والخدمات، لكن مكانة فرنسا كشريك تجاري واقتصادي تراجعت إلى المركز الثاني، لحساب إسبانيا.

ثانيا: تزامن وصول الرئيس ماكرون إلى قصر الإليزيه مع عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي بعد قطيعة دامت ثلاثين عاما، وخلال سنوات قليلة قفز المغرب إلى مراكز متقدمة في لائحة الدول المستثمرة في القارة الأفريقية.

واعتبر تقرير القناة الألمانية، أنه ما قد يثير فرنسا، كما يقول بعض الخبراء الفرنسيين، ليس تزايد النفوذ المغربي لأن فرنسا نفسها تستفيد منه عندما تعتمد على المغرب كقاعدة نحو السوق الأفريقية، بل أن يتم النشاط المغربي في مناطق نفوذ تقليدي لفرنسا، مثل غرب أفريقيا، حيث تتنامى في عدد من دولها نزعات مناوئة لمستعمرها الفرنسي السابق، وثانيا أن يكون جانب من ذلك النشاط ضمن شراكات مع قوى أخرى منافسة لفرنسا في القارة الأفريقية، مثل الدول الخليجية والولايات المتحدة وتركيا، إضافة لمحاور تعاون اقتصادي مغربي أيضا مع كل من الصين وروسيا، أشرس منافسي فرنسا في مناطق نفوذها التقليدي بالقارة السمراء، وثالثا: يميل عدد من المراقبين إلى رصد مظاهر برود فرنسي إزاء خطوة المغرب بتوقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة في غشت 2020، وهو برود لا يمكن تصوره كرد فعل إزاء إقدام المغرب على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بل يمكن فهمه في سياق ملفين حساسين بالنسبة لفرنسا وللمغرب في نفس الوقت.

ويشير التقرير أن الملف الأول يرتبط بتداعيات اعتراف الولايات المتحدة (في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب) بسيادة المغرب على صحرائه، وخصوصا تداعيات هذا الاعتراف على الصعيد الأوروبي، إذ كانت الرباط تنتظر من حليفتها التاريخية دعما في إحداث تحول مشابه في الموقف الأوروبي من ملف الصحراء.

وأشار إلى أنه لم تبد باريس أي إشارات تجاوب مع الانتظارات المغربية، في الوقت الذي ظهرت فيه تطورات في مواقف شركاء أوروبيين (ألمانيا وإسبانيا) لهم ثقلهم في سياسة الإتحاد الأوروبي إزاء هذا الملف.

كما أن الخلافات بين باريس والرباط، سواء كانت معلنة أو صامتة، تطال ملفات حساسة بالنسبة للجانبين، وتأتي في فترة صعبة ومتغيرات دراماتيكية في الأوضاع الإقليمية والعالمية.

ففي أوج حرب أوكرانيا ارتفعت حدة الاستقطاب أيضا في منطقة شمال أفريقيا، ليس فقط بسبب نزاع الجارين المغرب والجزائر وتزايد شراسة المنافسة بين القوى الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية، بل أيضا بسبب تضارب سياسات الثلاثي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.