adsense

2016/08/10 - 11:07 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست
عرف العالم العديد من الفيروسات الضارة  التي تسببت له في أنفلونزات كثيرة ، كأنفلونزا البقر والخنازير والدجاج وإبولا و... وغيرها كثير اجتاحت العالم كالنار في الهشيم، لقد جرني فضول البحث في تفاصيل هذه الفيروسات، والتأمل في مواصفاتها والمقارنة بينها وبين فيروس "أنفلونزا الكراسي " أشد الفيروسات وطأة وأخطرها ضررا ، والذي يصيب النخبة السياسية المغرورة المريضة بالسلطة والتسلط في البلاد العربية والإسلامية ، التي ما أن يجلس الواحد فيها على كرسي مرة حتى يبدأ في النظر لغيره من فوق على أنه الأعظم شأناً والأكمل قيمةً.
والذي يبعث على القلق في وباء انفلونزا الكراسي الفتاك المهدد لمصير الامم العربية بكاملها ، هو ما أصاب هذا الفيروس من تطور وراثي مكن أسلوب في عمله من مناعة خارقة ضد كل إصلاح، واصبح قادرا على تسخير الديمقراطية وتحويلها الى ادوات للوصول الى كرسي الحكم والالتصاق به حتى النهاية ،  والأدهى من هذا وذاك، هو أنه لا وجود لأي علاج شافي أو لقاح يمنع الاصابة به حتى الوقت الراهن ، وكأن المشكلة في الكراسي وليست في المسؤولين، وأن العدوى تنتقل منها الى مؤخرات الجالسين عليها من مؤخرات المسؤولين المصابين بنفس الأنفلونزا ، والتي ينتقل الفيروس منها الى دماغ المصاب الجديد بمباشرة، عازلا اياه عن محيطه الانساني وتحويله الى عبد لكرسي السلطة لا يرى ولا يفكر ولا يستمتع الا بالجلوس عليه.
غريب سحر الكرسي وبريقه، كيف يجعل الجالس عليه يتمسك به ويعض عليه بالنواجذ والأضراس، وكأن الحياة تبدأ معه وربما تنتهي بعد الترجل أو السقوط عنه، فيقترف المرء كل الحماقات للحفاظ عليه ، حتى لو كان بإراقة الدماء.. ولا يهم دم من.. دم أب أو أخ أو خل صديق، فغاية الجلوس على الكرسي تبرر وسيلة الوصول اليه ، وهذا ليس بالشيء الجديد، فالتاريخ المعاصر حافل بالقصص التي تتعدى حدود الخيال، خاصة في عالمنا العربي المسكون بشبقية الكرسي، فهناك من أزاح أباه ليجلس مكانه ، وآخر أطاح بأخيه ليقفز على الكرسي عوضه، وغير ذلك من قصص المتنافسين عليه والتي لا حصر لها .
لا أعرف بالضبط تاريخ اختراع أول كرسي في العالم، وهل صانعه الأول معروف لدى الناس، لكن ومن المؤكد أن الذي ابتكره شخص ذكي، بل داهية يستحق أن يقال في حقه ما قال الجاحظ في من ابتكر النبيذ: "ولله درُ أول من صنعه، وسقيًا لمن استنبطه وأظهره وماذا دبر؟ وعلى أي شيءٍ دل؟ وبأي معنىً أنعم؟ وأي دفين أثار؟ وأي كنزٍ استخرج" انتهى كلام الجاحظ.
فعلا يا له من كنز !! جعل الحياة كلها عبارة عن معركة للوصول إليه ، و الدفاع عنه ، والموت في سبيله ، الأمر الذي جعل جل مآسينا ومصائبنا نابعة من التعلق به وعدم القدرة على مقاومة جاذبيته وسلطانه ، إذ لولاه لما عرفت انتخاباتنا كل ما تعرفه من اتنهاكات وخروقات وتزوير، ولولا الخوف على فقدانه لما أُستهين بحقوق الإنسان ، ولما أزهقت الأرواح ، ولما نخرت الاختلاسات اقتصادنا ومؤسساتنا العمومية، كما قال الأستاذ إدريس ولد القابلة في إحدى مقالاته بأن ("الكراسي" سبّبت لنا أكبر المشاكل، أكثر من السيف وأي سلاح آخر. وبسبب الرغبة في الاحتفاظ به وعليه ضاعت فرص التقدم ومسايرة ركب الأمم الراقية، وفرطنا في أكثر من موعد مع التاريخ، وتكرس الفساد واستشاط وانتشر الفقر وساد الإحباط). يتبع..