adsense

2016/07/17 - 7:41 م



بقلم الأستاذ حميد طولست
ليس بالإمكان أن يبقى أحدنا في منأى عن دورة الزمان ، أو يعيش بعيدا عن حتمية التغيير وجنونه وصلفه ؛ فالكل في تغير مستمر ، وأن سنة العيش تفرض أن نتغير .. نتغير مرارا وتكرارا ، حتى ننكر ذواتنا في صورها الأولى ، التي كنا عليها قبل الآن .فكل شيئ في تغير وتبدل حتى الافكار والمواقف والقناعات يصيبها التغيير هي الأخرى ، فإذا رجعنا إلى قصاصات الجرائد وما حملته من أفكار ومواقف القادة والسياسيين، وحتى جهابدة الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وأعدنا قرأتها ، فإننا سنقرأها كما لو كانت لبشر غير هؤلاء ، مع أنها من إنشاء ذواتهم التي كانوها ذات زمان ، ولم يبقو عليها اليوم بفعل ما أصابهم من تغير وتبدل .
نستفيق وقد تغيرت قلوبنا ، وتصوراتنا ، والقناعات التي كوناها عن العالم من حولنا ، وبتغيرها هذا ، تتغير نظرتنا للأشياء ، ويتغير تفكيرنا في الأشياء ، ويتغير إحساسنا بالأشياء؛ فالتغيير يجتاح كل شيء فينا إلا ذاتياتنا ، فنشتاق إليها بلا حدود ، ونحلم بريعها بلا حدود ، ونخاف على فقد مكتسباتها بلا حدود ، فنخطط كثيرا ، ونفتعل التغيير كثيرا للحفاظ عليها بلا حدود .
فكم إستفقنا صباحا لنكتشف أننا لم نعد نحب من كنا نحب ، ولم نعد نكره من كنا نكره ، وأننا كفرنا بما كنا نومن به البارحة من مسلمات ، وأفكار وآراء ، لتغيرها بتغير الظرفية المكانية ، والمرحلة الزمنية التي نحياها .
فاعذرونا فهذه بعض طباع الناس بلا حدود ، طباع ربما لم يلق عليها ضوء كاف أو لم يلق عليها ضوء على الإطلاق ، لأنها طباع خاصة بمن يتمتعون بمقدار فائق المهارة على إخفاء إزدواجية السلوك وتعدد المعايير ، رغم أنهم يمارسونها بتلقائية مباشرة جدا ، وعلانية مكشوفة جدا ، وتحت سمع الأعين ، وبصر الآذان ، فيبدون مثاليين في ما يقولون ، وخاصة حينما يتعلق الأمر بمصالح الأمة في خطبهم البتراء وتصريحاتهم الصماء -عفوا العصماء - إنهم السياسيون و أشباههم ، والعديد من المنتسبين لهم وكل من يسبحون في فلكهم ، إنهم أولئك الذين ملأوا الدنيا وشاغلوا الناس بأحاديثهم عن الديمقراطية والتغني بممارستها ، أولئك الذين سلطت عليهم من الأضواء ما أغشى الجماهير عن صلب سلوكهم كأشخاص عاديين والتي يكفي غضبة واحدة من أحدهم إذا ُمست مصالحه ، أو بوح لسان أحدهم دون وعي منه  لنجد أنفسنا أمام واقع مناقض للصورة التي رسموها لنا عن أنفسهم .
فاللهم غشنا الرحمة ، وارزقنا العصمة من هذا التغير ، وطهر قلوبنا من آفات هذا التبدل ، آمين يا رب العالمين أنك على كل تغيير قدير.