adsense

2024/02/26 - 6:59 م


بقلم امعمري سليمة/ طالبة باحثة بسلك الإجازة في التربية.

 من نحن؟ سؤال يجب على كل إنسان أن يطرحه على نفسه. كفى تيها، يجب علينا الإحساس ب "الأنا". من نحن؟ طبعاً هذا الإشكال وغيره من الإشكالات العديدة، هي نتيجة لوجود فراغات في مستوايات متعددة.

نحن اليوم نعيش في نوع من التيه المنهجي، نتيجة لمجموعة من التصورات الخاطئة التي تنصب علينا من هنا وهناك.

من نحن؟ هي أول قضية يجب أن يعالجها الإنسان.

في الإجابة عن هذا الإشكال ستجد الحل لأزمة القيم. نعم، هذا الجانب الذي استصغرناه حتى أصبحنا نجهل منبع التحديات الوجودية التي تهددنا و كيفية مواجهتها. اليوم أصبحنا نتعامل بقيم ومفاهيم ليست لنا.

يا ترى أين هو دور المؤسسات التربوية؟. للأسف أصبح الفضاء مفتوحا اليوم.

لا يمكن لأحد أن ينكر دور الأخلاق في تكوين شخصية الإنسان السوية والرقي بالمجتمع إنسانيا، الأمر الذي يجعلنا نطرح عدة تساؤلات منها: ماهي طبيعة الأخلاق التي نعيشها في مجتمعنا؟ هل هذه الأخلاق ثابتة أم نسبية؟ ماهي حقيقة القيم؟،...

أي نعم، نحن نعيش في عالم و في زمن متطور من حيث الصناعة، خبير في التكنولوجيا، سائد في العولمة.ولكن، منحط في الأخلاق و القيم الإنسانية. فالصلاح البشري ليس هو بلوغ التطور المادي، و إنما الحصول على القيم النبيلة، لأن الأخلاق عندما تنحدر يتهمش الفرد تهمشا معنويا و واقعيا.

إن أكبر أزمة نعيشها اليوم هي وجود خلل في البناء الأخلاقي، و الناتج عن:

- الابتعاد عن منهج الإسلام في التربية.

- غياب القدوة الحسنة.

- التنشئة الإجتماعية الخاطئة في الأسرة.

- انفصال المجتمع عن القيم، وغيرها من الأسباب...

كفى بالانسان أن يعزو الفشل و الانحطاط لغيره، المشكلة اليوم هي مشكلة ذاتية قبل أن تكون إجتماعية، فعوض أن تقول فلان فعل وفلان لم يفعل، يكفيك أن تطرح سؤالا على نفسك. ماهو دورك أنت؟ وهل أتممته على الوجه الأكمل ؟.

إن نصف تربية الإنسان هي ذاتية، لهذا وجب عليه أن يستمر في تربية نفسه، والعمل على رفعها نحو سمو الأخلاق و القيم الإنسانية و الإسلامية.

علينا أن نعالج أنفسنا ونعمل عليها بأنفسنا، وكما يقال:" من لم يكن نورا لنفسه لن تسعفه كل أضواء المدينة".

الأخلاق لا تباع ولا تشترى، و إنما تنبع من رحم ضمائرنا الحية، ثم يأتي دور التنشئة و التربية التي يجب أن تغرس الأخلاق و القيم في داخلنا منذ الصغر، كي نخرج للمجتمع و نحن قادرين على مواجهة التحديات بعقول حرة و قلوب نقية. وكما قال الشاعر :" إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". فلا يمكن لنا أن نصل إلى درجة الإنسانية ما دمنا لم نرتقي أخلاقيا.

نحن اليوم نحتاج إلى أخلاق مؤسسة، الأخلاق التي تحتاج إلى مرجعية تبني التصور، طبعاً المرجعية التي تقوم على الإخلاص لله تعالى، وليست المبنية على السلطة الاجتماعيه.

أنا أتحدث عن الأخلاق التي يجب أن تكون عملية، فالعبادة معرفة، و العقيدة معرفة، لكن ما الفائدة إذا لم ينتج عنهما سلوكا و عملا مشرفا. كما جاء في الحديث النبوي الشريف {عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " }.

عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، كل رسالته من تشريع و أحكام و أخلاق، أتمها في قوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". (و إنما في اللغة العربية تفيد الحصر). بالله عليكم أين نحن اليوم من هذا الحديث ، أين هي أخلاقنا مع أنفسنا، و أين هي أخلاقنا مع الغير،...

ارجعوا إلى قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام الذي كانت يداه تطيش في الصحفة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاما في حجر رسول الله ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: «يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» قال: فما زالت تلك طعمتي بعد. رواه البخاري ومسلم

هنا النبي صلى الله عليه وسلم بين للغلام المرجعية " سم الله "، و قدم له المنهجية " كل بيمينك"، فلا يمكن للإنسان أن يعيش بدون منهج، ثم  علمه صلى الله عليه وسلم المنهج الحقوقي" كل مما يليك "، فأنت لست وحدك في هذا الكون، أنت تعيش مع أناس آخرون، فهناك التشاركية.

الإنسان كلما تشبع بقيم الإسلام، كلما كان طموحا، حيويا، قويا و أمين، كما قيل في حق نبي الله موسى عليه السلام، قال تعالى ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ).

انظروا اليوم إلى شباب غزة الذين صنعوا التاريخ انطلاقا من قيم الإسلام التي تصنع الصلاح، وتصنع القوة و الأمانة.

نعم نحن اليوم نعيش تحديات وجودية، تهدد وجودنا الثقافي و هويتنا الثقافية. و لمواجهة هذه التحديات، لا يوجد سوى حل وحيد وهو الحل الرباني المتمثل في قيم الإسلام و أخلاق الإسلام، و ما جاء به الإسلام.

وبهذا يجب المحافظة على الصلاة و تلاوة القرآن و ذكر الله، ‏قال تعالى :"إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، و قال تعالى "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ". وهذه هي أفضل وصفة ربانية لتجاوز هذه التحديات و الإجابة عن سؤال "من نحن؟".