adsense

2016/02/09 - 9:43 م


إنه لمن العداء للسوية البشرية ، تحريم الحب وتجريم الوئام بين البشر ، وإنه لمن البعد عن المدنية والتحضر ، وأد الفرحة وقتل البهجة في نفوس الآدميين ، وإنه لمن إفساد الحياة الإنسانية ، تشجيع الكراهية ونشر البغضاء ، وإنه لمن الشذوذ والغباء ، الدعوة لمخالفة الغير ، وإنه لمن السخافة اعتبار كل ذلك دينا يُتقرب به إلى الله ، على اعتبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أصحابه يوما في أمر من أمورههم الحياتية وحدث من أحداثهم اليومية ، عن التشبه بغير المسلمين ؛ النهي الذي اسقطه فقهاء الظلام ، على كل دروب الحياة ومجالاتها، واستكتروا على الناس كل مباهج الحياة ، ومظاهر الاحتفال بها ، وعمموا ثقافة الحزن والكآبة والتجهم حتى في الأفراح والأعياد ، وحرموا عليهم الأعياد ، الوطنية منها والدينية ، ولم يتوقف بعضهم عند هذا الحد  من التحريم ، بل تمادوا فيه ، إلى أن حرموا الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ودفعت العته الجاهلية ببعضهم إلى اعتبار الاحتفال بالزواج –الذي أمر النبي الكريم بإشهاره - بغير الدف محرم ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : "اعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف" محرمين بذلك كل أنواع الآلت الموسيقى ، ما يحرم الموسيقى على المسلمين ، مع أن الموسيقى تجعله الإنسان يستمتع بتلاوة القرآن والاذان من خلال الاصوات الحسنة ، والمقامات الموسيقية التي تتخللهما ، والتي تنقل السامع بعذوبتها الي عوالم التصوف والخشوع ومعاني الصفاء الجميل ، وترحل به الى دنيا من النقاء ..
لاشك أن المنطق السليم يقر بأن أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونواهيه لصحابته ليست كأوامر القرءان ونواهيه، فالقرآن الكريم يأمر وينهى كل الناس بكل الأزمنة ، بينما ما ورد في الحديث النبوي من أمر ونهي إنما هو في غالبه  خاص بمن صدر في حقهم النهي ، ومحصور في الزمن الذي قيل فيه فقط . وما أظن أنه بإمكان من ويقول بغير هذا الكلام أن يعطي أدلة دامغة ضده ، ويمكن مناقشته والتحقق منه ، لتبقى مخالفة هذا المنطق ، مجرد ادعاءات صنع منها فقهاء الكآبة والكراهية والحقد والنفور من الاخر ، دينا إسلاميا موازيا لدين الله - ما أنزل الله به من سلطان - تسوده الهمجية والعصبية الجاهلية وتخيم عليه ظلال العصور القاتمة القديمة ، التي تدفع الجماهير لمعاداة البشرية وحضارتها ، بدعوى أن معاداتهما ومخالفتهما والنفور منهما ، من صميم السنة النبوية ، ومن نهج السلف الصالح ، الذي يناقض تمام التناقض الغاية من الآية العظيمة التي أقر فيها سبحانه وتعالى أصلاً عظيما من أصول الإسلام ، ومبدأ ضخماً من المبادئ الإنسانية السامية ، الذي هو "المساواة بين الناس" التي ترسخ مظاهر المحبة والتكاتف والتعارف والتساكن والخلق والإبداع وتحقيق قيم الخير والجمال ، والتي يقول فيها سبحانه وتعالى :"انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا  ..." سورة الحجرات .
لكن ورغم كل هذا وغيره كثير ، نجد أن هناك شخصيات عامة كثيرة ومؤثرة في مجتمعنا ، لاتزال، مع الأسف ، تعيش على تلك العقائد والأساطير البشرية الماضوية ، وتتمسك بها ، وتعمل بكل ما تملك من الوسائل على نشرها واستثمارها على نطاقات واسعة ، على اعتبار أنها تراث الأمة وعقيدتها غير القابلة للشك أو التشكيك ، بدلا من أن تعمل على الحد من طغيان ما طفا على سطح الأحداث من أجندات العنف والطائفية التي تسعى الى زرع الكراهية ، ما جعل تخلف أمتنا من فقه الجذب الكالح ، الموسوم بكل عناوين البؤس ، ومضامين التعاسة والكآبة ، إلتى أفقدت الأمة وهجها الآدمي ، وبريقها الإنساني ، وخنقت أنوار مواهبها في ظلمة إدعاءات المدعين وتسلط المتطفلين ، الذين جزوا بالمحتمع في متاهات عمياء لا تفضي إلى طريق السلم والسلامة أبدا.
لقد آن الأوان لهذا التوجه المنخور ، والتفكير المتخلف المصاب بالصدع  والتشقق ، الذي لا يقدم للبشرية ، أي مشروع إنساني، ولا مخطط حضاري ، بقدر ما يوظف معاداة البشرية وحضارتها ، للتلاعب بأحلام البسطاء والفقراء، وإخماد صرخات المظلومين، آن له أن يندحر ويسقط إلى الأبد، ويترك المجال لدين السلام والسنة السمحاء ، لتنتشر بين بني البشر !!!؟
أكتب هذا ، ونحن على أعتاب احتفال المجتماعات المتحضرة بعيد الحب ، الذي يصادف الرابع عشر من فبراير من كل عام، فكم نحن اليوم في أمس الحاجة الى ترسيخ مظاهر المحبة والتكاتف ..