adsense

2016/02/29 - 4:20 م



بقلم الأستاذ حميد طولست
لم تفاجئني ، وغيري كثير ، الرياح القوية التي زعزعت يوم البارحة ، زجاج ونوافذ وأبواب بيوت ومتاجر حي "أكدال" بالرباط ، كما فعلت مع غيره من أحياء ومدن المغرب الأخرى ، وذلك لأنها كانت منتظرة بفضل بلاغ الأرصاد الجوية المغربية مشكورة ، كما أنه لم يفزعني ما أحدثته تلك الرياح ، من بعض الضمار والخراب هنا وهناك ، وذلك أمر طبيعي ، أن تخلف رياح بقوة 60 إلى 70 كلومتر في الساعة ، بعض الدمار حيث ما هبت وعصفت ، وخاصة إذا كانت المنشآت غير مصانة ولا مرممة بما يكفي لتقيها التلف ، ولذلك لم يفزع الكثير من ساكنة حي "الأكدال" من سقوط أشجار لم تعرف تشديبا ولا تقليما ، من فيلا بإم الربيع غير مسكونة مند أمد بعيد ، لكني فوجئت حقا  وغمرني بإحساس رهيب ، حد الألم ، ترديد العمال الذين كلفوا بإزاحة ركام الأشجار المكومة على الطريق ، لحديث إمام مسجد سلا الوارد في إحدى خطبه لصلاة الجمعة ، بخصوص الهزات الأرضية التي ضربت شمال المغرب منذ أيام ، والتي ربطها الإمام بشكل آلي بغضبة الله على سكان تلك المنطقة "لغرقهم في المعاصي" حسب إدعائه ، واستشهاد نفس العمال بكلام رئيس الحكومة الذي ربط هو الآخر انحباس الأمطار بسخظ الله على عباده ، وجعل هطولها بسبب رضاه عليهم ، كما هالني ارتياح العمال واستسلام لهذا التفسير الخرافي من تشجم عناء التفكير ، والذي يكرس لذيهم ما يتخبط فيها الإنسان المغربي من خزعبلات الغيبيات التي تجعل منه ذاك الكائن الهش الضعيف الذي لا حول له ولا قوة، تتقادفه الرياح الكثيرة التي تهب عليه من مختلف الاتجاهات ، والتي لا ينتظر منها أن تحمل له في معظمها أي خير ،  ويتوقع منها الأسوأ ، لأنه يشعر في قرارة نفسه أنه ودواخل أمثاله يعصى الله ، ويسعى دوما إلى إرضاء كل من يكرس فيه مثل ذاك التفكير الغيبي الذي يعطل عقله، والذي يعززه مثل جاء ما صدر عن رئيس الحكومة وخطبة إمام سلا، حتى لا تهوي على رأسه المصائب من الزلزال الذي ألم بالناضوريين وانحباس الأمطار التي عمت المغرب ، قبل أن يستجيب الله لدعوات رئيس الحكومة ، كما  صرح هو نفسه أثناء افتتاح المجلس الحكومة الأسبوعي، يوم الخميس 18 فبراير، الذي خصص فيه كلمته لهطول الأمطار في الأيام الأخيرة على جل مناطق البلاد، واعتبر أن ذلك كان استجابة من الله لصلوات ودعوات الحكومة.،  قائلا :"ما فتنئنا نرجو ربنا وسنظل نحمده على ما تفضل علينا من النعم، ونرجوه أن يرفع عنا ما يصيبنا من البلاء". وتابع بأنه : "حين يصيب الله عباده الصالحين فقط ، لكي ينتبهوا ويتوبوا ويرجعوا لله"، على حد تعبيره.
ودون أن تتنبه سيادته أنه يشغل الشعب بلغط المسائل التي لا مقام لمقالها ، غير صرف أنظار الناس عن ثراء دينهم الإسلامي الحنيف ومميزاته الربانية الواسعة، بركام الأفكار والمعتقدات الخاطئة والمحرفة ، المعززة بالأحاديث السقيمة المشبوهة المدسوسة ، التي يستدل بها واضعوها لأغراض ، يعلمونها وحدهم  ، رغم تعارضها جملة وتفصيلا مع الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ، في دلالاتها ومجالاتها ومقاصدها ، التي تؤكد على أن الواقع يقول أن الحياة ، هي حياة السنن والأسباب والنواميس التي لا تجامل أحدا ، ولا تتبدل ولا تتغير، ويبقى الدعاء فيها بلا قيمة ولا فائدة ، وخاصة إذا كان دعاء بلا أسباب ، فيكون معارضا لمعنى وروح الذكر الحكيم ، ومسيئا للعقل والتمدن والحضارة والإنسانية ، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل : "الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر" .
وعلى ما يبدو أن الفرق شاسع بين كل من النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي عنف جماعة من الصحابة لما اتكلوا على آية :" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "،  وقعدوا عن العمل ، وسيدنا عمر الذي كان يضرب بدرته من يقول اللهم ارزقني ويدعو بلا عمل،  والذي ثبتت عنه المقولة الشهيرة : "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم ارزقني فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة" ، وبين بعض المسؤولين والأئمة الذين يعملون على نشر الأفكار المناقضة للعقل والعلم ، بل إن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وسيدنا عمر، مسافة كبير من الزمن ، هي نفس المسافة الزمنية التي تفصل بين خروج أمة محمد–في عهد النبوة والخلافة-من عصر الظلمات ، منذ قرون والمسافة التي تجعلنا أمتنا تتخبط اليوم في جهلها المقدس ، وكأنها ناقصة جهل  .
هذه الأحداث المؤسفة ، ذكرتني بفكرة الكاتبة المصرية "فاطمة ناعوت " في رغبتها في سن قانون يجرم ويكافح ما أسمته "التجهيل العمدي" . وأنقل هنا بعض الفقرات من نص مقالتها : "في حياتي القادمة، إن كان ثمة تناسخُ أرواح، وإن حدث وغدوتُ ملكةً أو رئيسةَ دولة، أو مُشرّعة قضائية مثلا، سأصكُّ قانونًا حازمًا حاسمًا ناجزًا لا ثغرات به، يُعتقَلُ بموجبه كلُّ مَن يُروّج مغالطات علمية مُضلّلة، أو يُطلق معلومةً معرفية مغلوطة.
فيصدقها الناسُ، وتتداولُها الألسنُ، وتصيرُ حقيقةً بين العامة، وما هى إلا هُراءٌ وبلاهة وجهالة! سأسميه قانون: "مكافحة التجهيل العمدى". فأن تكونَ جاهلاً، لا بأس، فكلُّنا جهلاءُ نتعلم حتى نموت؛ أما أن "تُجهِّل" الناسَ قسرًا، فتلك جريمة، تستوجبُ العقاب! من السخف أن تطالب بسجن مَن سرق من جيبك 100 جنيه، ولا تُجرّم سارقَ عقلك .
فهل يمكن أن يجرم "التجهيل العمد" في بلادنا يوما ما حماية عقولنا وعقول أبنائنا من الجهل والتجهيل ،