adsense

2016/02/29 - 7:14 م


كمال السعيدي 
نشرت جماعة العدل و الإحسان على موقعها الرسمي افتتاحية أرادت من خلالها توجيه موقفها و ردها على ما أسمته عبث الدولة بالشأن الديني، و هو رد في الحقيقة على مضمون القرار الملكي بضرورة القيام بمراجعة مناهج و مقررات تدريس التربية الدينية، في المؤسسات التعليمية ..
و قد سبقتها إلى هذا الرد ، الدراع الدعوي لحزب العدالة و التنمية من خلال خرجة إعلامية مفوضة لأحمد الريسوني .. و طبيعي أن تتوجس الجماعة كما الحركة من هذا القرار و هما تشعران بأنه لا بد أن يكون لهذا النوع من المراجعة في المستقبل انعكاس على مستوى تجدرهما داخل المجتمع و تأتيرهما فيه و هما اللتين دأبتا على السعي إلى منافسة أو منازعة الدولة في احتكار هذا المجال و توظيفه لأهميته السياسية ..
و إذ أنشر هنا الفقرة الأخيرة من افتتاحية الجماعة لمن فاتته لكل غاية مفيدة :
” وإن كان من حرص صادق لهذه السلطة على دين الأمة وعقيدتها، فينبغي أن يتجلى في رفع يدها عن توظيفه لتكريس استبدادها. وإذا كانت استقلالية السلطة القضائية مطلبا لا يزال الشرفاء في هذا الوطن يناضلون لتحقيقه، فإن استقلالية الشأن الديني عن الدولة أضحى مطلبا آخر يحتاج إلى نضال مرير لتحقيقه في زمن تريد السلطة أن يصبح فيه العلماء العاملون المخلصون مجرد خدم في حظيرتها ” ..
و دون أن أننكر على الجماعة أو على حركة التوحيد و الإصلاح حقهما في إبداء الرأي بخصوص مضمون قرار مراجعة المناهج و المقررات المتعلقة بالتربية الدينية و التعليق عليه إشارة أو تلميحا ، فإنني أمارس هنا حقي بدوري في تعليق و لو سريع و عابر على بعض ما ورد في الفقرة أعلاه :
1. في المطالبة برفع يد السلطة عن ”توظيف دين الأمة في تكريس الإستبداد”..
لنقر أولا أن هذا المطلب الدي أوردته الجماعة هنا مطلب ديمقراطي أصيل و لا يمكن إلا الإتفاق معه و لكن لا بد من التأكيد كذلك على أن كل توظيف للدين في السياسة هو تكريس للإستبداد من حيث المبدأ لأنه يظفي على الممارسة السياسية (و هي الفعل البشري) طابع القداسة .. مع التأكيد على أن الحاجة إلى عدم توظيف الدين لتكريس الإستبداد مطلوبة من السلطة ( أو الدولة ) و لكنها مطلوبة كذلك من جماعات الإسلام السياسي لأن كليهما يستفيد من استغلال الدين لبسط هيمنته الإيديولوجية على المجتمع و لتوسيع قاعدته و تدعيم شرعيته في مواجهة منافسيه من التيارات السياسية التي لا تتبنى في ممارستها ذلك الخلط بين الدين و السياسة .
2. في استقلالية الشأن الديني ..
إما أن المقصود بهذا الشأن الجانب الخاص منه و الدي يهم ضمائر الأفراد و معتقداتهم الدينية فذلك مما يعتبر جزء من حرياتهم الفردية في التعاطي مع الدين كتجربة روحية أو طريقا إلى الخلاص و بالتالي لزم أن ترفع الدولة يدها عنه و أن لا تتدخل فيه و هذا يجري على النحو نفسه بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي و منها جماعة العدل و الإحسان ذاتها، فحرية الضمائر و الإعتقاد شأن لا هو قابل للتأميم من طرف الدولة و لا هو قابل للتفويض لغيرها .. بمعنى أن رفع اليد هنا مطلوب من الجميع ..
و إما أن المقصود بهذا الشأن الجانب العام منه و الدي يهم المجتمع برمته و ساعتها من المؤكد أن ذلك شأن لا يمكن تفويضه كذلك أو خوصصته بسبب توظيفه في الصراع السياسي من طرف تيارات الإسلام السياسي كما سلف ، بالمقابل و نظريا على الأقل فالمفروض أن ليس أحرص على مصلحة المجتمع من الدولة ككيان .. كيان مؤهل لتوفير الخدمات المرتبطة بالشأن الديني و الإشراف على مرافقه و تدبيره بما يحفظ الأمن و التماسك المجتمعيين بعيدا عن كل توظيف سياسي و عن كل ما لا يراعي المصلحة العامة للمجتمع ..
كما أن التساؤل حول فائدة عقد مقابلة في غير المحل بين الإستقلالية المطلوبة بالنسبة للسلطة للقضائية عن السلطتين التنفيدية و التشريعية و استقلالية الشأن الديني عن الدولة يبقى مشروعا.. لأن استقلالية السلطة القضائية مطلب ديمقراطي صحيح و لكنه استقلال عن إحدى السلط الفرعية للدولة و ليس استقلالا عن الدولة في حد ذاتها .. أما كلام الجماعة عن الحاجة إلى استقلال الشأن الديني عن الدولة ( مع الإقرار طبعا أن المخزن نفسه يتصرف أحيانا في علاقته بالدين كجماعة من جماعات الإسلام السياسي ) فهو هنا أشبه بالمطلب العلماني فهل أصبحت الجماعة تتبنى مبدأ فصل الدين عن الدولة ؟ أم أنها فقط تريد فصل الدين عن المخزن لدواعي سياسية محضة ؟ .
3. في غياب حصول إجماع وطني اليوم حول تبني العلمانية رغم أنها من شروط الديمقراطية نفسها، فإن تخلي الدولة عن دورها في الإشراف على الشأن الديني و ترك الفراغ كما تطالب به الجماعة، سيصب لا محالة في مصلحة جماعات الإسلام السياسي و التي لن تتورع في استغلال الدين لبسط هيمنتها على المجتمع و منازعة الدولة في بعض من شرعياتها و هو الأمر الدي قد ينتهي إلى تبني العنف و الإرهاب طريقا للوصول إلى الحكم و السلطة .. ربما أن المطلوب اليوم هو أن تساهم الدولة ( مع تمييزها عن السلطة و النظام ) من خلال إشرافها على الشأن الديني في حماية حرية المعتقد و حماية الحق في إقامة الشعائر الدينية و حماية الآقليات الدينية و جعل الدين في سياقه الإيجابي عامل تجميع و ليس عامل تفرقة و الحرص على تجنب التوظيف الفج له في الصراع السياسي مع العمل على تطوير الدولة لشرعيتها من دينية كما هي اليوم إلى ديمقراطية راعية لحقوق الأفراد و الجماعات ..