بقلم الأستاذ حميد طولست
جرت العادة أنه كلما شارف عام قديم على نهايته، واقترب موعد حلول عام جديد ، إلا وطلعت علينا وسائل الإعلام الورقية بصحفها ومجلاتها على اختلاف مشاربها وتوجهاتها ، وفاجأتنا المواقع الإلكترونية بكل أنواعها وأشكالها وحمولاتها ، بما يصطلح على تسميته بـ "شخصية العام" التي يختارها قراؤها ومتتبعيها ، لتكون نموذج العام المنتهي عمره ، بما حظيت خلاله من مميزات خولت له ذلك ، وتبعا لنفس التقليد ، قررت كمدير لجريدتَيْ "منتدة سايس" الورقية وإلكترونية ، أن أدلي بدلوي في هذا التقليد الإعلامي ، وأقترح بدوري بعضاً ممن أرى أنهم يتميزون بمواصفات خاصة تمكنهم من نيل شرف صفة أفضل شخصية السنة المنصرمة .. ففضلت لذلك أن أبدأ بدائرتي الاجتماعية ، واستفسر عينة من أهلي وأصدقائي المقربين ، وأسأل بعضا من جيراني ، واستجوب ثلة من رواد المقهى التي اعتدت ارتيادها ، ودون أن أنسى استطلاع رأي المارة الذين صادفتهم على عجالة خلال تجوالي في شوارع المدينة وأسواقها.. فكم كانت دهشتي كبيرة لاستجابة غالبية المستجوبين للتجربة ، واتفاقهم على نفس الشخصية التي لم يجد طاقم الجريدة -بعد الكثير من البحث والتحليل – أحسن ولا أفضل منها لتحظى بتلك الصفة ، والتي لم تكن إلا تلك الوزيرة الرقيق المعروفة بجوج فرانك ، وذلك تعويضا لها عما جرته عليها ، في الأيام الأخيرة ، سخريتها السمجة -التي ردت بها على سؤال يتعلق باقتصاد الريع ، ومسألة تقاعد الوزراء والبرلمانيين الذي قومته بـ"جوج فرنك" -من قهر نقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي من الطبقة المتوسطة ، وبطش سخرية نكات مَنْ دونهم ، ممن خبروا الكدح والحاجة و"قلة الشي" وملأت تجاعيد "القهرة" وجوههم، وفرغت جيوبهم من "جوج فرنك" حسب قاموس حساباتهم النقدية الحقيقية ، والتى تحولت إلى لا شيء في الميزان القيمي للمال والتعاملات التجارية والعقارية عند " الوزيرة المكرمة" وزمرتها من الوزراء والبرلمانيين ، وكل المنتمين إلى طبقتها المخملية التي أصيبت بأعراض الفخامة ومرض الأبهة ، بعد أن استطابت امتيازات السلطة، وأصبحت من عليَّة القوم..
وفي خضم استقصائي لعينات من المستجوبين ، فاجأني أحد الظرفاء بسؤال غريب ملخصه ، هل هذا الذي تقوم به هو تكريم، أم هو "تقليب للمواجع" كما يقول المصريون ، وتذكير للمقهورين بما عانوه من استخفاف واستحمار واحتقار من طرف من تريد تكريمها بجعلها شخصية السنة ، والتي استهزأت بأوضاعهم المادية المزرية التي انقرضت فيها الألف والألفين درهم .. وأردفف قائلا : أقسم على أن فعلة هذه السيدة ، دفعت بي لمراجعة معلوماتي ، وتجديد قناعاتي ، وتغيير معتقاداتي حول المرأة ، وتصديق كل ما كنت أعتبره افتراءات ضدها ، وأميل –رغم إيماني بتكريم الله ورسوله لها- إلى ما يروجه فقهاء الظلام من أحاديث حول "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" لأنها مجرد نصف عقل ، ونصف قدرة ، ونصف إنسان ، وناقصة دين ، وإرادة محكومة بالعواطف ، ورغبة بلا رهبة ، وكيد عظيم ، وشر فاش ، ولعن كثير ، عورة متحركة ، ودنس نابض ، وغواية بلا نهاية ، ويتخذونها ذرائع لحرمانها من مشاركة الرجل في الولايات العامة والعمل بالقضاء والسياسة..
على رسلك أيها المحترم ، إن ما دفعني وحفزني لمنح السيدة الوزيرة لقب "شخصية العام" الذي ليس إلا تكريما معنويا بسيطا في حقها ، هو لأنها استطاعت بخرجتها السادجة "جوج فرانك" إحياء قضية معاشات الوزراء والبرلميين بعد أن ظن الجميع أنهم أقبروا ملفها نهائيا ، وسلمت معاشاتهم من الإلغاء إلى الأبد ، ولم يبقى ما يهدد تمتعهم بها "على عينك يا بن عدي" ، فشكرا للسيدة الوزيرة التي تستحق أن يصنع لها الشعب تمثالا من ذهب بدل الاكتفاء باختيارنا لها شخصية سنة ماتت!! ..