adsense

2015/10/07 - 10:06 ص

 
صارت وضعية الصيحة للأمراض العقلية بالمغرب مقلقة جدا؟ هذا على الأقل ما كشفته الدراسات والتقارير المنجزة في هذا المجال.
 آخر دراسة وبائية وطنية كشفت أن «40 بالمائة من المغاربة، ما بين 15 سنة وما فوق، يعانون، أو سبق أن عانوا، من اضطرابات عقلية: 26.5 بالمائة منهم يعانون أو عانوا من الاكتئاب، و9 بالمائة من القلق، و5.6 بالمائة من اضطرابات ذهانية».
وتشير الدراسة إلى أن النساء هن الأكثر عرضة لهاته الاضطرابات العقلية (48.5 بالمائة من الإناث مقابل 34.3 بالمائة من الذكور)، إضافة إلى سكان الحواضر والمطلقين والعاطلين. منظمة الصحة العالمية كشفت هي الأخرى سنة 2011 أن الاضطرابات العقلية العصبية بالمغرب تمثل 15.8 بالمائة من مجموع النسبة المرضية. هذا الارتفاع في معدل الإصابة بالأمراض العقلية أرجعه وزير الصحة، الحسين الوردي، إلى التطورات السريعة التي يعرفها المجتمع المغربي، وكذا شروط العمل الصعبة، والتمييز الجنسي، والاستبعاد الاجتماعي، إضافة إلى خرق حقوق الإنسان.
ذكر ذلك في رسالة وجهها إلى المشاركين في لقاء نظمه الفريق التقدمي بمجلس النواب في 17 أكتوبر 2012.
 قبل ذلك بشهر واحد فقط نشر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا صادما عن وضعية مؤسسات الأمراض العقلية بالمغرب.
 إذ كشف تقريره أن «بنية المؤسسات التي تمت زيارتها، مع استثناءات قليلة، لا تتلاءم مع احتياجات مرتفقي الطب العقلي».
وأرجع ذلك إلى أن «عددا من هذه المرافق لم يكن موجها في الأصل لرعاية المصابين بأمراض عقلية (مثل مستشفى خريبكة)»، وإلى كون «تصاميم بنائها لم تأخذ في الاعتبار خصوصيات طب الأمراض العقلية والمعايير والممارسات المعمول بها دوليا ورأي المرتفقين والموظفين».
كما كشف أن «الطاقة الإيوائية للمرافق القائمة ضعيفة جدا بالمقارنة مع عدد السكان والحالة الوبائية»، وأنها «بعيدة عن احتياجات ومطالب الساكنة والمعايير الدولية المعتمدة في المجال».
 وبخصوص التوزيع الجغرافي لمستشفيات الأمراض العقلية أوضح التقرير أن هذا التوزيع يبين «التفاوت الصارخ بين الجهات على مستوى التغطية، إذ تتمركز أهم المؤسسات من حيث الموارد البشرية ووسائل العلاج والطاقة الإيوائية وجودة الخدمات في محور الدار البيضاء- الرباط- مراكش. وعلى العكس من ذلك، تفتقر مثلا المنطقتان الشرقية والجنوبية كثيرا إلى بنيات تحتية خاصة بمعالجة الأمراض العقلية، بحيث لا تتوفران إلا على مستشفى واحد في كل من الحسيمة والعيون». وأشار التقرير إلى أن الـ27 مؤسسة عمومية التي يتوفر عليها المغرب لعلاج الاضطرابات العقلية والعصبية «لا تستجيب من حيث الكم لحاجيات السكان.
 كما أنها ليست متيسرة ولا سهلة الولوج».
وأضاف أن بعض هاته المستشفيات لا تستجيب «لشروط المراقبة ومتطلبات السلامة، مما يصعب على العاملين في المجال الطبي وشبه الطبي أداء مهامهم ويعرضهم لاعتداءات خطيرة، حيث أصبحت هذه الاعتداءات شائعة وأضحت تعتبر أمرا لا مفر منه».
وبالنسبة إلى الموارد البشرية أشار التقرير إلى وجود «خصاص مهول» فيها. إذ كشف أن «عدد الأطر الطبية وشبه الطبية العاملة في المؤسسات العمومية للأمراض العقلية أبعد ما يكون عن المعايير المعترف بها على المستوى العالمي»، مضيفا بأنه «يجب توفير طبيب نفساني على الأقل لما بين عشرة آلاف وأربعين ألف نسمة، وممرض واحد على الأقل لكل أربعة مرضى». ومن النتائج التي خلصت إليها بعثة التقصي والبحث، التي أوفدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى مستشفيات الأمراض العقلية، أن «معظم هذه المرافق عبارة عن أماكن لعزل المرضى أكثر من كونها مستشفيات.
 كما أنها لا تستجيب للحد الأدنى من المعايير ذات الصلة بأخلاقيات المهنة وطب الأمراض العقلية».
 في نفس السنة التي أصدر فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان هذا التقرير ستعلن وزارة الصحة بأنها ستولي الصحة العقلية أهمية قصوى في استراتيجيتها القطاعية 2012-2016.
 وقد أثبتت الوزارة ذلك عبر حزمة من الإجراءات، أهمها الرفع من عدد الأطباء النفسانيين، ومن عدد الممرضين المختصين في الصحة العقلية ليصير 100 ممرض كل سنة عوض 80 ممرضا. إضافة إلى إنشاء سبعة أقسام أكاديمية للطب النفسي والأطفال والمراهقين بحلول 2019، ورفع الطاقة الإيوائية لمستشفيات الأمراض العقلية من 2234 سريرا، التي كانت مسجلة سنة 2011، إلى 2850 سريرا سنة 2016، وكذا إنشاء ثلاث مستشفيات جهوية متخصصة.
 ماذا نُفذ من هاته الإجراءات بعد مرور ثلاث سنوات من انطلاق هاته الاستراتيجية؟ لا شيء واضح، تقول بعض المصادر.
 فيما أوضح مصدر طبي أن كل ما أذيع عن أولوية الصحة النفسية منذ سنة 2008 لم يتجاوز مستوى القول، مؤكدا أن وضعية القطاع متأزمة جدا، وأن الخصاص يمس كل شيء، لدرجة أن مستشفيات الأمراض العقلية، يضيف المصدر ذاته، تضطر إلى رفض حالات خطيرة لضعف قدرتها الإيوائية.
في تصريح معبر لوكالة «فرانس بريس»، قال أب يقطن بنواحي بنسليمان، وكان يضطر إلى تقييد ابنته بالسلاسل بعد أن رفضت المستشفى استقبالها، «لقد ذهبنا بها إلى المستشفى أزيد من 50 مرة، لكنهم كانوا يرفضون في كل مرة استقبالها.
الأدوية التي يمنحوننا إياها تُنوّمها فقط. ولا أدري ما الذي أستطيع فعله؟». مثل هذا السؤال عادة ما يواجه أسر المختلين عقليا حين ترفض المستشفيات استقبالهم، رغم أن الأماكن المخصصة للاستشفاء في معظم هاته المستشفيات هي أصلا «في حالة يرثى لها وبمعدات قليلة، علاوة على الاكتظاظ»، حسب ما يقول تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان. رغم ذلك، فما يهم هاته الأسر، خصوصا الفقيرة منها، هو أن الإقامة في المستشفى تكون «إجراء لـ«حراسة» المريض، أو بتعبير أدق لاحتجازه حتى إشعار آخر، وليس كحل علاجي»، يضيف التقرير. وحين تنعدم هاته الإمكانية تجد أسر المرضى نفسها أمام إشكال حقيقي: كيف التعامل مع هؤلاء؟. إذ أن هاته الأسر تكون في حالات عدة غير واعية بطبيعة المرض العقلي ذاته أو لا تمتلك معلومات دقيقة عنه أو لا تجد جمعيات مختصة لإرشادها والأخذ بيدها.
كل هذا يجعلها غير مستعدة للتعامل مع ذويها المختلين عقليا. بعض العائلات، خاصة في المناطق النائية، تجد نفسها في مثل هاته الحالات مجبرة على تكبيل أبنائها المرضى أو احتجازهم كا في الماضي تصديرهم إلى بويا عمر وسيدي مسعود بالإقليم الجديدة وما شبه  ، لأنهم بالنسبة إليها مجرد وصمة عار أو فضيحة يجب إخفاؤها.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هنا، لكن يتجاهله الجميع، هو: لماذا حين يفقد الإنسان عقله ننزع عنه آدميته ونُسقط عنه، أوتوماتيكيا، حقوقه كلها؟.
 مستشفيات الصحة العقلية..معازل تحول المرضى إلى «مجانين»