بقلم
الأستاذ حميد طولست
في
واحدة من أقسى المعارك البشرية وقف الخلق أمام أشرس متحور عرفته البشرية لجرتومة
كورونا، وقفوا منقسمين إلى طوائف، ألقى رجالات الطائفة التي امتلكت أدوات العلم
وعرفت أن المعرفة وسيلة للنجاة وليس أداة للترفيه
، القو بأنفسهم ، بكل استبسال وشجاعة وإنسانية ، في غياهيب البحث ودهاليز
التنقيب ، ساعين بالجدية والإخلاص المعززين بالموهبة والفنية والاتقان والحرفية
الفائقة ، لاكتشاف الأمصال المضادة لفيروسات كورونا ، وصناعة اللقاحات الكفيلة
بهزم عدوانية متحوراته الضارية ، مسطرين بذلك أروع أمثلة البطولة والوطنية ، التي
قدمها كل من الأطباء والصيادلة والممرضين والإسعافيين وفنيي المختبرات وزملاؤهم في
التضحية رجال السلطة والأمن والعسكرين ،وفي مقابل ذلك ، رهنت الفئة التي تستخف
بالعلم وتزدري المعرفة ، وتفضل الغيبيات ، وتنتشي بالخرافة ، وتطرب لأوهام
المعجزات، وألقت بوقاية شعوبها من شرور الجوائح ، وصد ضراوة الوباءات ، والحد من انتشار الإبتلاءات ، على
عاتق كل ما تجاوزه التاريخ ، ولفضه العقل ، ورفضه المنطق ، وخالفه الواقع ، وكذبه
العلم ، وفنذته الاكتشافات ، من الخرافات الدينية والثقافية والاجتماعية ، وسلمت
أمر حماية أنسانها لمفعول الحلتيت والحبة السوداء ، وأوكلت مصير مواطنيها لبركة
الأولياء ، وقدرة تعويذات الدراويش وحجب المشعوذين وخرز الدجالين وفتاوى متفيقهي
الدين وأدعية الاتكاليين ، وغيرها من خزعبلات الأفكار السلبية المكرورة ، البعيدة
عن العقل والمنطق ، التي لم تزد اوضاعها إلا تأزما ، وجعلت الوباء ، الذي لا يجدي
نفعا مع ضراوة فتكه وتدميره، لا برامج التوعية والتثقيف ، ولا تحد من انتشار أضراره لا الأفكار النيرة
، ولا الحوارات المتفتح ، ولا القدوات الحسنة ، ولا يكبح جماح بلاياها إلا العين
الحمراء والقبضة الحديدية ، ولا يردع غلواء تجبرها إلا التعزير، الذي قال فيه
عثمان بن عفان: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" بمعنى أن
القوة أقدر من زواجر القرآن ومناهيه على منع الذي لا يدرك كيف يمنع نفسه من اقتراف
المحارم ، والانغماس في خرافاتها ، التي زج به الشحن الديني والتمترس الطائفي والتخندق
الإثني والجهوي والمناطقي في مآسيها ، التي غدا المرء لا يملك لها علاجًا سوى
التحسّر وفقدان الأمل ، والإستسلام للأفكار السوداء
المضطربة والخضوع لرغبات تقبل خطايا النفس
وانحرافاتها الهاجعة في أعماقه ، والجنوح لتبرئة تشوهاتها ، بدل الانخراط في
معالجة جروحها ، بالسبر الشجاع لأغوار انفعالاتها ، وبالاستقراء المتأني والعميق
للمشاعر والأحاسيس التي تمور بدواخلها ، وبالبحت العميق في نوازعها وتجليات
تصرفاتها ومظاهر تواجدها بشقيها المتوازيين الجسد و الروح ، حتى تصفو له الحياة من
المصائب والأكدار، ويزدهر فيها الأمل والرجاء ، وتغدو مرتعا للراحة والهناء والعيش
الآمن المريح على الدوام دون نغص ولا ألم ، لأنه وكما يقال: الأهداف كلما دارتِ في
فلك النفس، تبقى حبيسةً محصورة النفع، ولا تعظُم قيمتُها وتتنامى إلا إذا اتَّسع
محيطُها وتعدَّته للآخرين...