adsense

2021/04/05 - 8:42 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

على الرغم من ارتباط الأخلاق والصلاح في عقل المسلمين بالتدين ، إلا أن الحقيقة الأمر تبقى مجافية ومُخالفة لواقع وحال بلاد المسلمين ، حيث نجد أن الفساد الإدراي والرشاوى ، والمحسوبيات ، وضياع الحقوق ، وغياب العدالة والمساواة ، وقلة تقدير الإنسان وعدم احترام حقوقه ، لا يستشري إلا في المجتمعات الأكثر تديناً ، وليس هذا الترابط بين التدين والفساد من قبيل المصادفة ، بل له أسباب كامنة في محددات السلوكيات القائمة على الالتزام بالطقوس المظاهرية للدين ، والتي ترجعها العديد من الدراسات إلى عدم اهتمام دين الشيوخ والدعاة الجدد بالمعاملات المادية بين البشر بقدر اهتمامه بالجوانب الإيمانية التي تجعل الإيمان شرطاً لنوال الجنة بينما العمل الصالح وحده ليس شرطاً لنوالها ، كما هو سائد بين العامة المتأثرة بتلك الطقوسية الظاهرية أكثر بكثير من تأثرها بقواعد العلاقات والمعاملات في الدين الحنيف ، والذي يُعتبر فيه الذنب الديني الجسيم هو التجديف وليست سلوكيات الفساد المجتمعي ، وأن الإساءة الكبرى في الدين هي الإساءة لرجال الدين والمرائين من الناس -والكثير من البشر مُراؤون بطبيعتهم ، مع إختلاف النسبة والدرجة - وليست الإساءة هي فيما يلحق الأذى بالإنسان ويمتهن حقوقه ويستهتر بالقوانين والتشريعات المنظمة لمجتمعاته ، وغير ذلك كثير من المفاهيم والسلوكيات الانحرافية التي لا يتولد منها وعنها إلا ما يغرق الأفراد والمجتمعات في وحل الفساد - الذي شرحته منظمة الشفافية الدولية بأنه "استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، وعرفه البنك الدولي على أنه "إساءة استخدام الوظيفة العامة للكسب الخاص- الذي يلوي أصحاب ما يعرف بــ"الدين الشعبي" أعناق الآيات والأحاديث لتحويل الكثير من أنواع اداتالفس ومصطلحاتها ، إلى بديهيات تزج بغير المسلم الصالح في النار بالرغم من أعماله الصالحة ، وتخلد المسلم في جنان الخلد ولو كان فاسداً ، الأمر الذي يدفع بالفاسدين إلى المبالغة في الموازنة بين جرائم فسادهم -كلما زاد- في حق المجتمعات بالتعبد التمويهي ، وكأنهم يتملقون به إلى الله ليتغاضى عن مفاسدهم..

وما السلوكيات الهجينة التي اعتاد إتيانها مع حلول كل رمضان من عينة من الموظفين الذين ماتت ضمائرُهم المِهنية ، وانعدمَ لديهم حِسُّ المسؤولية ، وأصبحوا لا يستشعرونَ قيمة ما يُزاولونه من عمل ، ولا حرمة عندهم للمال الذي يصرفونه على عوائلهم ويطعمونَ منه أبناءهم ، الذين يحولون هذا الشهر الفضيل إلى شهر إجازة غير معلنة ، يكثر فيه النوم نهارا ، ويطول خلاله السهر ليلا ، وتضمحلّ فيها ساعات القيام بالواجب الوظيفي ، وتتسع أثناءها ساعات الاسترخاء والكسل ، حيث نرى الواحد من هؤلاء الموظفين الذين لا يستحقون المال الذي يجنونهُ من وراء وظائفهم ، يصلُ متأخراً لموقع العمل وهو يتمطى في مشيته ، وقبل أن يدخل مكتبه المدفون تحت أكوام الملفات والأوراق والأشعال المُؤجلة ، يبدأ بالسلام على جميع زملائه ، ويقفُ عند الذين يعملونَ معه ببرودٍ قاتل، يتحدث مع هذا وذاك ، ليس عن أمور العمل الذي يكسبُ من ورائه ، تم ينتقل إلى التقليب في حاسوب الشغل عن برامج التواصل الاجتماعي ، والتنقل بين المواقع ، يقرأ أخبارها غير المتعلقة بوظيفته ، تم يفتح هاتفهُ الخلوي ليُحدثَ أشخاصاً ما  فيما لا ينتمي لخدمة المواطنين الذين يتقاضى أجره من جيوبهم ، ظنا منه أنه بذلك يمارس حريته ، بينما حقيقة ما يمارسه ليس سوى التملص من المسؤولية والفرار من الحرية ، الذي يخلق الفوضى المدمرة  التي تحول المؤسسات الحكومية والإدارات والمكاتب والورشات إلى مساحات مفتوحة لممارسة الكسل ، وتجعل من رمضان أقل شهور السنة إنتاجا .

فماذا لو قررت الدولة أن تجعل من شهر رمضان إجازة فعلية مدفوعة الأجر يمكن خصم أيامها من إجازات بقية العام؟ لأن التجربة بينت بأن بقاء الموظف أو العامل في بيته يكلّف الدولة أقلّ بكثير ممّا يكلفه استهلاك الطاقة داخل مواقع العمل التي لا يسمع فيها غير طنين لازمة "اللهم إني صائم" التي يموه بها المنافقون المراؤون عن إفلاسهم البيّن ..