adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/28 - 5:59 م

بقلم: سعيد شبري/ مهتم بالشأن السياسي

في خضم التحولات السياسية الكبرى التي عرفها المغرب عقب أحداث ما اصطلح عليه بالربيع العربي سنة 2011، وجد حزب العدالة والتنمية نفسه أمام فرصة تاريخية غير مسبوقة، استطاع أن يستثمرها للانتقال من موقع المعارضة إلى سدة تدبير الشأن العام. ولولا تلك الظرفية الدقيقة، التي دفعت الدولة إلى توسيع هامش المشاركة السياسية تحت ضغط الشارع، لما غادر الحزب مقاعد التعليق والردود في قبة البرلمان، ولما عرف أعضاؤه طريقهم إلى مكاتب الوزارات والجماعات والجهات والأقاليم.

اليوم، وبعد عقد من الزمن، يعود الحزب ليؤكد، بانتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا للمرة الرابعة، أنه لم يستوعب الدرس الديمقراطي كما يجب. فبدل ترسيخ التداول الداخلي وتجديد النخب، فضل الارتماء في أحضان الزعامة التقليدية، في مشهد يشي بكثير من الحنين إلى الماضي وقليل جدًا من الجرأة على المستقبل.

إن حزب العدالة والتنمية، الذي طالما تغنى بالديمقراطية، يكشف اليوم أن صعوده لم يكن نتيجة قوة داخلية في البناء السياسي والتنظيمي، بل نتيجة ظرفية إقليمية ومحلية مواتية فقط. ولو كانت اللعبة السياسية تسير وقتها بسلاسة تقليدية، لظل الحزب سجين الشعارات تحت قبة البرلمان، يردد خطابات المعارضة دون أن تطأ قدماه عتبات السلطة التنفيذية أو مكاتب تدبير الشأن المحلي.

الحقيقة التي يدركها الراسخون في دواليب السلطة، أن العدالة والتنمية لم يكن يومًا مشروعًا سياسيًا محكم البناء بالمعايير الكلاسيكية، بل كان ثمرة معادلة دقيقة فرضتها المرحلة. ومع تبدد سحر الظرفية، وانكشاف عجز الحزب عن تجديد ذاته، لم يبق أمامه سوى التعلق بقشة الماضي عبر إعادة تدوير نفس الأسماء.

في الديمقراطيات الحقيقية، تداول القيادة مبدأ مؤسس، لا ترف تنظيمي. لكن يبدو أن حزب المصباح، بعد كل ما راكمه من تجربة، لا يزال يعتبر الأشخاص ضمانة للمستقبل، وليس المؤسسات أو البرامج أو الأفكار. وهو ما يضعه اليوم أمام مأزق وجودي حقيقي: هل سيكون قادرًا على بعث روح جديدة في جسمه المتهالك؟ أم أن العودة إلى بنكيران ما هي إلا لحظة سكون ما قبل الانهيار؟

إن إعادة انتخاب بنكيران لا تمثل انتصارًا للديمقراطية الداخلية بقدر ما تكشف عجزًا صارخًا عن ولادة جيل جديد من القادة. فالحزب الذي قذفته موجة الربيع العربي إلى كراسي الحكم، يعود اليوم ليغرق في مستنقع التكرار والعجز، مودعًا أحلامه في التغيير الحقيقي تحت عباءة الزعامات المستهلكة.