بقلم الأستاذ حميد طولست
قراءة في موقف محمد أوزين !
في خضم النقاش المتجدد حول قضايا
الهوية والاختلاف، والذي كان يمكن أن يشكل فرصة ثمينة لإغناء الساحة الفكرية
والسياسية في بلادنا، فاجأنا السيد محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية،
برسالة مفتوحة وجهها إلى الدكتور عبد الخالق كولاب، عقب انتقاد تدخله الأخير
"خلال كلمته بمؤتمر البيجيدي" دون الإشارة إلى خلفيته الحزبية.
المثير للانتباه أن رد السيد أوزين جاء
متوشحًا بالهوية البصرية لحزبه، مما يوحي بأن الأمازيغية، في خطابه، لم تعد غاية
نضالية مستقلة، بل تحولت إلى أداة ضمن الصراعات السياسوية الضيقة. وهذا أمر مخيب
للآمال، خصوصاً حين يصدر عن شخصية أكاديمية حاصلة على الدكتوراه في سوسيولوجيا
اللغة.
كان الأجدر بالسيد أوزين، وهو الباحث
المثقف، أن يدعو إلى نقاش علمي مفتوح مع الدكتور كولاب، بدلاً من الاحتماء بالصفة
الحزبية وتحويل النقاش من فضاء الإغناء الأكاديمي إلى ساحة للمزايدات الانتخابوية.
فالواقع يشهد أن تدخلات الأحزاب السياسية في قضايا الهوية، على اختلاف مواقعها، لم
تثمر سوى الفشل، كما تظهره الحصيلة الهزيلة لتفعيل القوانين التنظيمية للأمازيغية
منذ دسترتها سنة 2011.
الأكثر خطورة في موقف أوزين هو سقوطه
في منزلقات مفاهيمية، تجلت خصوصاً في حديثه عن "الانتماء" بدلاً من
"المشترك" خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية. هذا الانزلاق يُختزل في
طمس الفارق الجوهري بين الاعتزاز بالهوية الوطنية الجامعة، وبين الانغلاق داخل
انتماء حضاري ضيق، في تناقض صارخ مع الاختيارات الدستورية للمغرب.
إن الاستمرار في الترويج لانتماء مغربي
خالص إلى "الحضارة العربية" هو طرح اختزالي مخلّ، لا يصمد أمام النقد
العلمي الجاد، خاصة إذا استحضرنا أن لا أحد في المشرق العربي يدعي الانتماء إلى
الحضارة الأمازيغية. هذا الطرح يكشف، في جانب منه، عن حنين مرضي إلى المركزيات
المشرقية، على حساب الحس النقدي والموضوعية العلمية.
كان حريًا بالسيد أوزين أن يستلهم وضوح
الرؤية من الزعيم المحجوبي أحرضان، الذي جعل من الدفاع عن الأمازيغية مشروعاً
سياسياً شجاعاً في زمن كان مجرد ذكرها يعرض صاحبه للملاحقة. عوضًا عن ذلك، اختار
أوزين أن يستعمل أسطوانة "التفرقة"، وهي حجة واهية تجاوزها الواقع
الدستوري الجديد الذي أقر صراحة التعدد الثقافي واللغوي بالمغرب.
إن استدعاء الإطار الحزبي في مواجهة
النقاش الفكري لا يخدم لا القضية الأمازيغية ولا يرفع من قيمة الموقف، بل يضعف
الحجة ويكشف ارتباك المقاربة. لقد أسقط الخلط بين دور المثقف والفاعل السياسي
السيد أوزين في تبريرات مهزوزة، أساءت لمكانته الفكرية أكثر مما أساءت لحزبه.
إن ما كان منتظرًا من السيد أوزين هو
إما الدعوة إلى مناظرة أكاديمية مع الدكتور كولاب، أو على الأقل الاعتذار عن الزلة
المفاهيمية وتوضيح السياق، لا سيما أنه كان ضيفاً على حزب ما زالت بعض سردياته
تحلم بوحدة عربية متجاوزة حتى في أوطانها الأصلية.
في الختام،أأكد إن الأمازيغية اليوم
تقف عند مفترق طرق حاسم: إما أن تظل رهينة خطابات ممسوخة ومواقف انتهازية تُدسّ
داخلها الأجندات الحزبية، أو أن تستعيد مكانتها كقضية تحرر وكرامة وهوية جامعة. ما
نحتاجه ليس شعارات ملونة ترفع على منصات المؤتمرات، بل مثقفين يمتلكون الجرأة على
كسر الصمت، وسياسيين شجعان لا يخافون قول الحقيقة، ولو على حساب التحالفات
والولاءات.
كفى من المتاجرة بالأمازيغية! كفى من
الخطابات المزدوجة! فمن لا يملك الوضوح في موقفه من قضايا الهوية، لا يحق له
التنظير لمستقبلها.
لقد آن الأوان لنزع القناع عن كل من
يختبئ وراء الدفاع عنها لغايات لا تمت بصلة لقيم النضال الحقيقي. فالأمازيغية ليست
ورقة انتخابية تُسحب عند الحاجة، بل هي معركة مستمرة ضد الإقصاء، ومعركة من أجل
الاعتراف الكامل بالإنسان الأمازيغي في لغته، وتاريخه، وحقه في أن يكون شريكًا
كاملاً لا تابعًا في وطنه.
التاريخ لا يرحم المترددين، ولا المتواطئين. والتغيير الحقيقي يبدأ عندما نقرر – بوضوح لا لبس فيه – أن الأمازيغية ليست موضوع نقاش، بل خط أحمر.