adsense

2020/08/22 - 7:59 م

بقلم الدكتور عبدالواحد الفاسي

منذ أن علمتُ خبر الفاجعة الثانية لهذه السنة والمتمثلة في الاتفاق الثلاثي بين الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل، التي ستؤدي إلى التطبيع والاعتراف بإسرائيل من طرف الإمارات وأنا أتساءل لماذا اختارت الإمارات هذا الطريق المظلم ؟

صراحة ، لا يهمني قرار الأمير لأن هذا الأمر يهم الشعب الإماراتي الذي سيقول كلمته . وقد بدأنا نرى رد فعل الكثير من الفعاليات المهمة من بلد الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله الذي كانت مواقفه دائما مع القضية الفلسطينية.

نهتم بهذا القرار لأنه يُخَلف شرخا في الوحدة العربية والتي لم تكن ، ولو صوريا ، موحدة إلا حول القضية الفلسطينية وهي آخر ما يمثل تماسك هذه الوحدة.

وما يخيف أكثر- وهذا ما يفكر فيه المرء في أول وهلة - هو أن تكون المؤامرة أوسع، وأن يكون الإماراتي بمثابة أرنب سباق فقط، من أجل رفع الإيقاع حتى يُمكِّن الآخرين من الالتحاق بسرعة بكوكبة التخلي. أتمنى أن يكون هذا غير صحيح . إن بعض الظن إثم .

كل ما قلناه لا يُجيب على السؤال المحيِّر، لماذا ؟؟

يدَّعون أن هذه الاتفاقية هي لصالح القضية الفلسطينية، لأنها تؤدي في مرحلة أولى إلى إيقاف ضم الأراضي الفلسطينية . فإن كان هذا الأمر صحيحا فلماذا لم يتم التشاور، بل إقناع الفلسطينيين بإجابية هذا الموقف الذي سيعتبر آنذاك تضحية ؟

فكل من يبحث بجدية عن السلام،في كل العالم - بما فيه اليسار الإسرائيلي - ، متأكدٌ بأنه لا يمكن لأية اتفاقية سلام مع الدول العربية أن تتم بدون سلام مع الفلسطينيين . الوحيد الذي يرى الأمر من زاوية أخرى هو نتانياهو. بالنسبة إليه يرى أن التطبيع مع الدول العربية هو الذي سيدفع الفلسطينيين إلى اتفاق سلام مع إسرائيل . أليس هذا الاتفاق بداية تنفيذ خطة نتانياهو ؟ بدون تعليق .

عن طريق هذه الخدعة يريد أن يحلل ما هو حرام. فنقول له ارتكبت حراما بهذه الاتفاقية ، فلا تزيد حراما آخر بقولك إنها حلال.

حتى إذا رجعنا إلى تصريح السيسي نجد أنه غامض ويقف عند " ويلٌ للمصلين" حينما يقول تقريبا : " تتبعنا باهتمام بالغ البلاغ المشترك للولايات المتحدة والإمارات العربية الشقيقة وإسرائيل حول إيقاف ضم الأراضي الفلسطينية من طرف إسرائيل ..." والباقي. الغموض التام.

إذا كانت الإمارات تتحدث عن إنهاء الضم ، نتانياهو يرى ويقول أن عملية الضم ستؤجَّل أو تجمَّد ، ولكن إسرائيل لن تتخلى عن هذه الفكرة.

على أية حال،فإن أي اتفاقية دون الفلسطينيين فهي فاشلة. ولكنها ستضعفهم أكثر .

وعلى أية حال ، فإن هذه الاتفاقية لن تغير مجرى التاريخ في المنطقة. أما بالنسبة للدول العربية فإنها ستفقد بهذه الاتفاقية أداة الضغط الوحيدة التي كانت في حوزتها لإرغام إسرائيل على تقديم تنازلات .

وفي الأخير، ما دامت الإمارات ستستفيد من تعميق هذه العلاقة - مع العلم بان هذه العلاقة كانت موجودة أصلا من الناحية الاقتصادية والعلمية - فلا تحتاج إلى فضيحة مدوية لكي تستمر.

تقول إحدى المتخصصات في الشرق الأوسط، وهي فرنسية، أن الاتفاقية ستُمكن من فتح إمكانية مبادلات في واضحة النهار في ميادين شتى مثل الاقتصاد والدفاع والأمن الإلكتروني (cyber-sécurité) وفي ميدان البحث والتنمية. والإمارات التي تريد الخروج من اقتصاد مبني فقط على تصدير البترول ، ترغب في التوجه نحو اقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الجديدة.

وحتى هذه الباحثة تؤكد على أن العلاقات كانت قائمة دائما بين البلدين. وهذه الميادين لا تحتاج إلى اتفاقيات مثل هذه.

وفي الأخير وفي انتظار موقف جامعة الدول العربية ، أظن أن أحسن كلمة الختم هي لعلال الفاسي رحمه الله حيث قال :

" ونقولها للذين يظنون أن التفاوض مع إسرائيل ، أو إقرار سلام دائم مع إسرائيل، أو حتى اعتراف العرب بها ، سينهي خطرها، لأن إسرائيل يعني بداية امبراطورية تؤسس بالعنف، لأن إسرائيل يعني مركزا مُهما ، وقنطرة عظمى، للاستغلال الرأسمالي الغربي لخيرات العرب وأفريقيا وآسيا".