بقلم عبد الحي
الرايس
مَا شِئْتَ بينَ
اللغات، فلغةُ هُويتك وأرُومَتِك، ومَنْشَئِكَ ومَحْتِدِك، تظلُّ الأقربَ إلى وجدانك،
والأيْسَرَ لفَهْمك واستيعابك، والأوْفَى عند تعبيرك، احْفظْها وصُنْها، طوِّعْها
لِلِسَانِكَ وقلَمِك، ولا تأذنْ لغيْرها باستلابك، فهي إكسيرُ عِزتك، ورمزُ استقلالك،
ورصيدُ وَحْدَتِك، ومصْدرُ اعْتدادك وقُوَّتك، وبَعْدَها ومعها تَعَلَّمْ
ما شئتَ من اللغات حتى تصير عوْناً على مُواكبتك وانفتاحك ، وإسهامِكَ وإغنائك.
أسْلافُك ترجموا
الْفِكْرَ وأنْتجُوا الْعِلمَ وعمَّمُوه، مَعْيَرُوا اللِّسَانَ وقوَّمُوه، سَادوا
ولَقَّنُوا، وما وَهَنُوا ولا اسْتكانُوا.
لا تَسْتهِنْ بقابلياتك،
ولا تَأْذَنْ بمُغالطتك، فأرْقى البلادِ حُضُوراً ،وأعلاها شأناً مَن اعتمدَتْ لُغتَها
أساساً، واكتسبتْ لغةَ الْعَصْر مُسَايَرةً وانْفِتاحاً.
لُغتُك الْمِعياريَّةُ
تَقِفُ على أسْرارِها بطريقةٍ قاصدةٍ مُباشرةٍ في الْحِصص التعليميَّةِ التعلُّمية
، ولكنكَ قادرٌ على نقلها إلى ناشئتك حين تنسابُ على لسانك بطريقةٍ عَرَضيةٍ، عَفْويَّةٍ
وتِلقائيَّة
جَرَّبَهَا غَيْرُكَ
من مُجايِليكَ حين عَوَّدُوا صِغارَهُم منذُ نُعومةِ الأظفار على لُغةِ الاسْتلاب،
فتمرَّسُوا بها، وتعوَّدُوا عليها، ونافسُوا أبْناءَهَا فيها.
وباشرَهَا آخرون
من أتْرابِكَ وطِينتِك بِلُغتكَ مع فتيةٍ صغار، فأكدُوا عَهْداً، وحَققُوا نَصْراً،
وما أخْلفُوا وَعْداً، وأقامُوا الدَّليلَ على أنَّ امْتلاكَ اللغةِ أمْرٌ يَسير، وضَبْطَها
ليس بالأمر العسير، وأبْعدُوا عنها كُلَّ تُهَمِ التصْعيبِ والتقْصير.
بُناةُ الاسْتقلالِ
مِمَّنْ ضَحَّوْا بالغالي والنَّفيس يُثيرونَ الْحَمِيَّةَ فِينَا، يَأسَوْنَ لِتِيهِنَا
ويَعْجبُونَ لِحَالنا، كيف نُكرِّسُ التناقضَ بين نَصٍّ في الدستور مَكْتُوب، واسْتلابٍ
في الواقع مُكَرَّسٍ مَكْشُوف.
فهلْ من صَحْوَةِ
ضمير؟ وهَبَّةِ تصْحيح؟ وهل من تَحْكيمٍ يُقَوِّمُ الْمَسَار، ويُنْقِذُ من التِّيهِ
والضَّلَال؟
