adsense

2016/02/06 - 8:40 م



بقلم الأستاذ حميد طولوست
 في الوقت الذي ارتاح فيه الكثير من المغاربة لقرار وزارة الأوقاف بتوقيفه الشيخ يحيى المدغري خطيب مسجد حمزة بحي سيدي موسى بمدينة سلا  عن الخطابة ، على إثر خطبته التي أثارت جدلا كبيراً ، وسجالاً واسعاً ، وقوبلت بالرفض التام، والإدانة الجماعية من طرف أهل الريف وسائر إخوانهم المغاربة قاطبة ، لخروجها عن المنطق السليم ، وبعدها عن العُرف المألوف ، وتشفيه فيها من الريفيين الشرفاء ومن باقي المغاربة الطيبين ، الذين أهانهم بربط أحداث الزلزال الذي ضرب منطقة الريف بارتكابهم للموبقات والاتجار في المخدرات ، حسب زعمه ، وهو جل يعلم أن المغارب يدركون تماما أن كل شيء في الأرض وفي السماء يسير على هدي شرائع لا استثناءات فيها ولا فوضى، ولو حدث الاستثناء ، لفسد كل ما في الأرض والسماء.
لكن وعلى ما يبدو ، أن العحز الذي سيطر على بعض العقول البشرية ، فأبقاها على طفولتها ، دون أن تتطور رغم تقدم العمر والتجارب بها ، مثلها في التفكير كمثل الجهلة الذي لا يزالون يؤمنون بمعظم المعتقدات الغريبة التي يرجع تاريخها إلى الأفكار التي راودت عقل الإنسان القديم الذي عاش قبلنا بآلاف السنين ، والذي اعتقد أن ما يصيب الإنسان من أضرار وأمراض قد يكون نتيجة لأرواح خبيثة ، أو مس من الجن ، أو انتقام من الآلهة بسبب ذنوب وأعمال ظالمة ، أو اختلال في طالع النجوم ، أو عدم توافق في الأفلاك والأبراج ، أو من عمل سحري ضار ، أو أي قوى خفية أخرى كانت لها في خياله مفاهيم شتى ، كما قال المفكر المغربي سعيد ناشد ،
والغريب أن هذه الاعتقادات القديمة التي تنسب ،مع الأسف، للدين وهو منها براء ، لأنه دين العقل والحكمة لا دين الدجل والشعوذة ، أنها لا تزال تعشش حتى الآن في عقول كثير من الناس ، فتبدو لهم الخرافة وكأنما هي علم يقوم على أساس ، أو كأنما نواميس هذا الكون الراسخة تسيرها مثل تلك الأساطير والخزعبلات ، وتتحكم فيها قوى يقف العلم على حد زعمهم أمامها عاجزا ، وتصل المأساة إلى ذروتها عندما نعرف بأن هذا الإعتقاد  وذاك التفكير لا يقتصر على عوام الناس والبسطاء منهم ، بل إن نسبة لا بأس بها من الساسة وأعوانِهم وأدواتِهم الإعلامية وغيرها ، يعتقدون فيما يعتقد فيه عامة الناس ، وكأنما هم نبذوا معادلاتهم ونظرياتهم وقوانينهم ،  وتركوها وراءهم ، ليتبنوا الخرافة وخزعبلاتها ، حيث تشاء المشيئة الإلهية أن يتصادف حدث الزلزال المؤلم ، بتأخر تساقط الأمطار ، ومن غرائب الصّدف، أن يواجه رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، خلال حضوره الجلسة الشهرية ، بأسئلة شفهية تتعلق بالسياسة العامة ، بتساؤلات النواب حول وضع الفلاح في ظلها ، فلم يأتي رد السيد رئيس الحكومة عليها ، بأحسن مما جاء به  خطيب سلا ، حيث ربط هو الآخر بين نزول المطر باستقامة العباد ورضى الله عنهم، وقال بأن المغاربة يستبشرون خيرا عند هطول الامطار ، ويقيسون بها رضا الله عنهم ، مستدلا على كلامه بقوله تعالى في كتابه الكريم “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا". 
منطقي أن يكون لكل موقف أكثر من زاوية للنظر وأكثر من تفسير أو تحليل ، وأن ينظر البعض إلى المواقف التي تمر بحياتنا اليومية ويتعامل معها ويطلق الأحكام عليها من خلال أفكار معينة ، وميولات شخصية ، دون أن يخطر بباله إخضاعها للتحقق من مطابقتها لواقع الحدث أو الموقف ، بطريقة علمية موضوعية تمكنه من الحكم عليها بشكل سليم ، لأن الحكم السليم يكون وفق المنطق السليم دون اتباع لهوى، ومن خلاله نستطيع أن نفسر ونحكم ونتصرف بشكل أفضل ، أما الانطلاق من الأفكار غير المناسبة للظروف والملابسات في التعامل مع ما يمر بنا من أحداث، لاشك يؤدي إلى الأحكام الخاطئة والتصرفات الأخاطأ ،  التي تؤدي بدورها إلى توجيه عقول الناس عامة ، والشباب خاصة ، وجهة لا عقلانية ، تنحو بهم إلى الانحراف الفكري عن شرائع الله في كونه العظيم ، وسوء فهمها فهما صحيحا ينعكس على مشاعرهم وسلوكهم وطريقة تعاملهم مع ذواتهم وغيرهم ، وبدلا من أن يسلكوا طريق العقل والصواب ، يعيشون في عالم التصورات الرديئة ، والأوهام المريضة ، كتلك التي وردت في بعض تعليقات الفايسبوكيين على تلك الخزعبلات السقيمة ، من أمثال قول بعضهم : لماذا تنعم عشرات دول شمال أوروبا وشرق آسيا بالتساقطات المطرية و الرطوبة المنعشة للأرض و للفلاحة و الماشية؟ إذن حسب منطق الخطباء وريئس الحكومة ، أن أهل هذه الأراضي الممطرة مسلمون مصلون مستقيمون. و ما علينا إلا أن نترك ما نحن عليه و نتبع ملتهم و نهجهم ابتغاء مرضات الله . وكتلم التي قال فيها آخرون: أما دول الخليج التي هي على مقربة من مكة و قبر الرسول فهي تعيش في جفاف مستديم و لا ترى قطرة مطر إلا مرة كل عامين أو أكثر ، و حسب نفس المنطق الخرافي فهذا دليل أنها معوجة و فاسدة و لا يصح اتباعها في شيء، دينا و دنيا.
فإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أوقفت خطيب مسجد ‘حمزة’ بمدينة سلا ، لإهانته الإنسان في شخص الريفيين ، فمن سيوقف من أهان العقل المغربي ، بنشره مثل هذا التفكير الخطير الذي كان سائدا عند العبريين قبل الإسلام بأكثر من 18 قرنا ، والذي –للاسف- يحيه اليوم بعد 32 قرنا من تاريخ وروده في سفر ايوب الذي يعود لأكثر من 11 قرنا قبل الميلاد ، ومن يعيدهم الى رشدهم ، ويرجعهم عما هم ماضون فيه، فيصلحون ما أفسدوه هم لا الدهر ، وإن السكوت على مثل هذا الإستهتار بعقل الإنسان المغربي ، لا يدفع إلا لمزيد من الانهيارات الدينية والثقافية والتيه والضياع الفكري..