adsense

2014/11/23 - 8:23 م

انصب تحقيق القسم القضائي الأول بالمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية لدى أمن الجديدة، الذي قاده ضابط سابق من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، على فك لغز أغرب قضية جنائية في سجل الأبحاث والتحريات البوليسية بعاصمة دكالة. قضية اختلط فيها الذكاء بالدهاء، والحيلة والمكر بالنصب والاحتيال، وبرودة النفس. واقعة بطلها  مجرم خطير قضى 36 سنة من حياته خلف القضبان. ما مكنه من كسب الحنكة وتجربة رائدة في مجال الإجرام، جعلته يطور أساليب وتقنيات عمله بشكل يصعب تصوره، ولا يمكن ترجمته إلا في أفلام الإثارة والتشويق الهوليودية.
عقارب الساعة كانت تشير إلى حوالي منتصف  ليلة الأربعاء الماضي، عندما تلقت مصالح الشرطة من قاعة المواصلات بأمن الجديدة، برقية عبر الجهاز اللاسلكي، تفيد بضرورة الانتقال إلى تجزئة ملك الشيخ. وعند باب منزل سفلي مستهدف بالتدخل،  صادفت دورية راكبة من المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية، في الوقت المناسب، رجلا ستينيا كان يتأهب لمغادرة المكان. حيث عمل المتدخلون الأمنيون على إيقافه وتصفيده واقتياده من ثمة للاشتباه فيه إلى مقر المصلحة الأمنية، لإخضاعه للبحث.
وعن الأسئلة التي وجهتها إليه الضابطة القضائية، صرح أنه انتقل من مدينة بركان إلى عاصمة دكالة، بمعية شقيق مهاجرة مغربية تقيم ببلجيكا، وذلك من أجل بيع منزلها الذي ضبطته الشرطة وهو يغادره ليلا. وقد حاول المشتبه به الذي كان في حالة سكر، تضليل المحققين، ومدهم بمعلومات مغلوطة عن النازلة، وعن حياته، وعن شركائه المحتملين الذين ظل يحتفظ بأرقام هواتفهم في ذاكرته، عوض تدوينها وتخزينها في ذاكرة هاتفه النقال التي كانت فارغة.
واسترسالا في الأبحاث والتحريات، اتصلت الضابطة القضائية بالمهاجرة المقيمة ببلجيكا، والتي أفادت أنها كلفت فعلا شقيقها المقيم ببركان، ووكلته من أجل بيع منزلها الكائن بالجديدة، وأن لا علاقة لها البتة بالمشتبه به الموقوف، الذي أنكرت معرفته.
وعند حضور الشقيق من بركان إلى المصلحة الأمنية، بعد استدعائه، أدلى للضابطة القضائية بتصريحات كانت بمثابة الخيط الرفيع لفك لغز النازلة المحيرة والمثيرة حقا وقائعها. حيث أفاد بشأن  المشتبه به الذي عرضته على أنظاره، وتعرف بتلقائية عليه، أنه كان التقاه  صدفة، منذ حوالي 10 أيام، على متن حافلة لنقل المسافرين، كانت قادمة لتوها من الدارالبيضاء إلى الجديدة. وبحكم أنهما كانا يجلسان جنبا إلى جنب، فقد تجاذبا أطراف الحديث. وأسر البركاني لصديقه الجديد أن شقيقته تقيم بديار المهجر، وأنها ترغب في بيع منزلها الكائن بتجزئة ملك الشيخ بالجديدة. وطلب منه المساعدة كونه غريبا عن عاصمة دكالة، ولا يعرف أحدا بها. ما استجاب له الصديق الجديد الذي اصطحب البركاني على متن سيارة أجرة صغيرة، إلى منزل أخته، قبل أن يفترقا (...).
وأمام هذه المعطيات الحاسمة التي واجه المحققون بها المشتبه به، وكذا، سوابقه العدلية التي قضى من أجلها 36 سنة وراء القضبان، والتي  تتوزع ما بين تكوين عصابة إجرامية، والسرقات الموصوفة، والسرقة تحت طائلة التهديد بالسلاح الأبيض، وإضرام النار والنصب (...)، ما كان منه إلا أن انهار واعترف بالأفعال الإجرامية المنسوبة إليه. وصرح أنه عاد، في ال13 من الشهر الجاري، إلى المنزل الكائن بتجزئة ملك الشيخ، بعد أن أيقن أن شقيق المهاجرة قد غادره، وعاد إلى بركان. حيث تحين الفرصة، وكسر قفل الباب الخارجي ب"بينسا"، واستبدله بقفل ومفتاح جديدين.  وظل من ثمة يقيم فيه بمفرده ويتردد عليه في وضح النهار، حتى لا يثير انتباه الجيران الذين بدءوا يعتادون عليه ظنا أنه قريب لمالكة البيت، سيما أنه أطلعهم أنه يعمل موظفا لدى إدارة التسجيل التابعة لوزارة المالية.  وكان يقض أوقاته في المقهى واحتساء قنينات الخمور التي دأب على جلبها من سوق تجاري ممتاز قنينات الخمر، في انتظار يوم "ج".
 وقد كان يستقدم بين الفينة والأخرى دراجة نارية ثلاثية العجلات، بعد أن كسب ثقة سائقها. حيث أفرغ المنزل من أثاثه وتجهيزاته، التي باعها لشخص معروف. ولإبداء حسن النية وعربونا عن وده، قدم لسائق ال"تربورتور" هدية عبارة عن فرن غاز. حيث إن الأخير شرع في الدعاية وتلميع صورة من أحسن إليه.
وفي مرحلة نهائية، عمد المشتبه به وهو رب أسرة، من مواليد آسفي ويقيم بالدارالبيضاء، إلى عرض المنزل بعد أن سطا عليه، وأفرغه من تجهيزاته وأثاثه، للبيع، بدعوى أنه مل من الفوضى التي يحدثها الجيران بالطابق العلوي. وكادت الحيلة أن تنطلي على شخصين، أحدهما رجل سلطة كان يعتزم دفع عربون في المنزل، الذي حددت سومة بيعه في 700 ألف درهم.
وقد اعتقلت الضابطة القضائية الشخص الذي كان اقتنى التجهيزات والأثاث المسروقة، والتي تم بالمناسبة استرجاعها. وأصدرت مذكرة بحث وتوقيف في حق صاحب ال"تربورتور"، الذي يوجد في حالة فرار.

 وبعد استكمال إجراءات البحث والتحريات، وانقضاء فترة الحراسة النظرية في حق المشتبه به، والتي تم تمديدها ب24 ساعة، أحالته الضابطة، أول أمس السبت،  في إطار مسطرة جنائية تلبسية، على الوكيل العام باستئنافية الجديدة، من أجل جناية السرقة الموصوفة، وانتحال صفة عمومية ينظمها وبنص على شروط اكتسابها القانون، والسكر العلني البين. حيث أمرت النيابة العامة بإيداعه، بعد متابعته وفق فصول القانون الجنائي، رهن الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي سيدي موسى، في انتظار مثوله، الخميس المقبل، أمام الغرفة الجنائية بمحكمة الدرجة الثانية.