adsense

2013/10/27 - 12:10 م


عبأت "دايوو"، الشركة الصناعية الكورية العملاقة، ظهر أمس السبت، ما يزيد عن 30 من رعاياها المستخدمين لدى فرعها بالجرف الأصفر، والذين تطوعوا بحيوية ومعنوية عالية، لتنظيف أزقة الحي البرتغالي في الجديدة، وأسواره ومآثره التاريخية، من أزبال ونفايات مواطنينا المغاربة. وقد كان  اللباس ذاته يوحد الكوريين، الذين كانوا  "مسلحين" بأكياس بلاستيكية سوداء، وب"بالات"، ومكنسات، وقفازات بيضاء. وظلوا يجوبون طولا وعرضا أزقة "الملاح"، بغية جمع النفايات المتناثرة هنا وهناك في أزقة هذه المعلمة التاريخية، وتطهير أسوارها وأبراجها، من الأعشاب الطفيلية، ومن "الفضلات" البشرية، ومن قنينات الخمر و"لانكول"، التي مافتئ يلقي بها السكارى والمتسكعون والمتشردون، الذين أصبحوا يتخذون من هذه الأماكن المحصنة مرتعا آمنا للرذيلة، وممارسة تجليات الانحراف.


وقد جاءت هذه المبادرة 'الإنسانية" النبيلة، التي اختير لها شعار : "ما توسخش بلادك"،  لتلقننا، نحن معشر المغاربة، ومسؤولينا والقائمين على تدبير شؤون البلاد والعباد، ما لم تفلح فيه المدرسة العمومية، و"المجتمع المدني"، والخطابات "الديماغوجية"، و"البراغماتيين"، درسا في السلوكات المدنية وفي الأخلاق الحسنة، وفي الوطنية والمواطنة الحقة، رغم أن هؤلاء الكوريين لا يحملون الجنسية المغربية، لكنهم، على ما يبدو، متشبعون بالقيم الكونية، ويفتخرون بانتمائهم إلى وطنية الكرة الأرضية برمتها  (cosmopolitisme).  
وقد استنفرت  هذه المبادرة الفريدة من نوعها، المسؤولين على شركة النظافة بالجديدة، الذين أوفدوا لتوهم بعض عمال النظافة، بشاحنتهم، إلى الحي البرتغالي، بعد أن سرق منهم الكوريون دورهم، والذين زودوا بالمناسبة حي "الملاح" ب3 حاويات للنفايات (بركاسات).
وقد جاءت بالمناسبة (هذه المبادرة) لتفضح زيف الشعارات الفضفاضة والجوفاء، التي يحملها بعض الفاعلين الجمعويين والحقوقيين، وبعض من يدعون حماية البيئة.  فاعلون يتقاضون دعما ماليا من الجهات المعنية، لكن نشاطاتهم مشلولة، ومغيبة على أرض الواقع. كما جاءت لتعري بالواضح والملموس، عن الوجه الحقيقي، للإهمال واللامبالاة، اللذين أصبح يعانيهما الحي البرتغالي، في ظل صمت السلطات الوصية على التراث والمآثر التاريخية والحضارية، وكذا، القائمين على الشأن العام. وضع خطير ومقلق، قد يدفع منظمة اليونسكو إلى إعادة النظر في تصنيفها الحي البرتغالي "تراثا حضاريا وإنسانيا"، والذي كانت منحته إياه في 30 يونيو 2004.
ومن المفارقات العجيبة أن المستخدمين الكوريين تطوعوا، وهم تحدوهم عزيمة وعزم لا يقاومان، لتنظيف أزبالنا، خلال السبت، الذي يصادف يوم عطلة مستحقة. فيما كان بعض القائمين على تدبير الشأن العام، وممثلي السلطات المحلية، والجهات الوصية على التراث والمآثر التاريخية، يخلدون للراحة، ومنهم من كان مسترخيا (لاسييست)، أو كان يتأهب للسفر إلى كبريات المدن المغربية، والنزول في فنادقها المصنفة، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.


ومن محاسن الصدف أن الكوريين المتطوعين، جازاهم الله خيرا، أنقذوا وجه المغرب من فضيحة مذوية، كان صداها سيصل إلى البرتغال، وإلى العالم. حيث قاموا بتنظيف "الملاح" من أزبالنا وفضلاتنا، على بعد يومين من حلول الرئيس البرتغالي الأسبق ماريو سواريس، ضيف شرف على عاصمة دكالة، والذي ستمنحه جامعة شعيب الدكالي دكتوراه فخرية. وربما ستقوم هذه الشخصية البرتغالية، بزيارة "نوستالجية" إلى هذه المعلمة التاريخية والحضارية، التي كان أجداده البرتغال شيدوها في القرن ال15، على ساحل المحيط الأطلسي، في منطقة دكالة، والتي حملت تسميات عدة، منها «مازاغان» و«المهدومة» و«البريجة» ... و"الجديدة"، التي بات كل شيء فيها "غير جديد".

الكاتب :أحمد مصباح