adsense

2022/12/27 - 11:34 ص

بقلم عمار مبشور                                         

عندما نتأمل في الأشياء والموجودات التي تحيط بنا في الأرض والكون والآفاق، نجدها منبثقة عن أصل واحد، هذا إذا ما استحضرنا أصل الكون الذي يرجع بالأساس من الناحية العلمية إلى النظرية التي ظهرت القرن الماضي تحت تسمية الانفجار العظيم، أي أن العالم تشكل نتيجة انفجار لمادة يجهل أصلها، وقد أحدث هذا الأمر جدلا واسعا لدى الكثير من الفئات المهتمة بهذا الموضوع؛ علماء الدين، علماء الكون، الفيزيائيون.....ليس الهدف من الإشارة إلى أصل الكون هو خوض الحديث في الآراء والمواقف التي تدحض هذه النظرية أو تؤيدها، لأن الأمر في أصله غير محسوم، برغم النقاش الواسع الذي استفاض فيه السابقون واللاحقون (للإسلام رأي آخر)، إنما القصد هو تهيئة أرضية للنقاش حول أصل الأشياء، من خلال التحديد أو ما يعرف بالتعريف الذي يعطي للأشياء جوهرها وماهيتها وانفراد بعضها عن بعض بخصائص تمييزية، وهي القضية التي أثارها الفيلسوف اليوناني تلميذ ومناقش أرسطو، وهو الفيلسوف فورفوريوس، من خلال شجرته الفورفورية التي يترأسها الجوهر الذي ينشطر إلى قسمين: جسم وغير جسم، والجسم بدوره يتجزأ إلى جزأين: كائن حي وآخر غير حي، والكائن الحي ينقسم إلى شطرين: نبات وحيوان، والحيوان يتوزع بين حيوان ناطق وهو الإنسان، وحيوان غير ناطق وهو مطلق البهائم.

وتجدر الإشارة إلى أن كل تقسيم من هاته التقسيمات يعتبر بمثابة مجموعة تندرج إما تحت النوع أوالجنس، باعتبار أن النوع ينضوي تحت الجنس.

لا يخفى على أحد منا أن التمييز بين الأشياء لا يتأتى إلا من خلال التعريف بها، ومن هنا تبرز أهمية التعريف باعتباره وسيلة وتقنية تمكن الدارس في مختلف المجالات من التعرف على الحدود الفاصلة بين الأشياء. وارتباطا بهذا الأمر فإننا نستحضر ما اقترحه فورفوريوس بخصوص عناصر التعريف وأدواته التي بناها على نظرية أرسطو فيما يصطلح عليه بالكليات. وكليات التعريف حسب فورفوريوس كالتالي: الجنس والنوع والفصل والخاصة ثم العرض. ويَجمُل بنا أن ننبه إلى أن هذه الكليات كانت أربعا مع واضعها أرسطو وهي: الجنس والخاصة والتحديد والعرض.

فالجنس ما لا يقبل أن يكون جزءا عن أصل، لأنه هو الأصل الذي يتفرع عنه النوع.

النوع جزء من الجنس يُفرد الأشياء بخصائص تمييزية، ويقبل بأن ينقسم إلى أقسام.

الفصل يحيل على الصفات الفاصلة بين الأشياء.

الخاصة ترتبط بالفصل وتشير إلى ما يحضر في شيء ويغيب في آخر.

العرض يرمي إلى الخصائص العارضة بين الأشياء؛ أي الخصائص المشتركة بينها.

وإذا ما تتبعنا الكليات الخمس التي أتى بها فورفوريوس بنوع من الاستبصار، فإننا نسجل أن:

الإنسان عندما ندخله في دائرة الحيوان باعتباره يشترك مع البهائم في خصائص معينة؛ كالأكل والنوم والتوالد... ونخرجه من دائرة الكائن الحي الذي هو النبات باعتباره جنسا مغايرا لجنس الكائن الحي وهو الحيوان، فإننا نضع قطيعة حقيقية بينهما من حيث التحديد؛ أي ذكر الخصائص التي يمتاز بها كل نوع من هذين النوعين، والحق أن ما يشترك فيه الإنسان مع البهائم نجد صداه حتى عند النبات، ولو بدرجات أقل أو بصورة مختلفة.

إلا أن تلك الخصائص حاضرة باعتبار أن هاته الأنواع الثلاثة تندرج ضمن جنس واحد وهو الكائن الحي.

إن أهم خاصية فاصلة بين الإنسان والبهائم العقل، وهي التي يحتكم إليها عند الفصل بينهما، و يتم تغييب مميزات أخرى يمكن أن تكون في مقام أول تساوي منزلة العقل، وهنا نذكر على سبيل المثال: خاصية اللغة باعتبارها الفيصل الحاكم بين هذين النوعين، إذ لا يوجد من البهائم ما باستطاعته الكلام أوالتلفظ بالكلمات والأصوات في شكلها المألوف. وإن كان البعض يتحدث عن نطق الببغاء والعقاب بترديدهما بعض الأصوات، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى الكلام.

ويمكن أن نورد خاصية أخرى وهي تعبير الإنسان عن المشاعر وتناغمها مع حركات جسده وتأثير وتأثر كل واحد منهما بالآخر.....

ونحن نحاور فورفوريوس بشأن التعريف، فإننا نرى أن هذا الأخير يصعب تحقيقه بتطبيق كلياته، إذ نخلص في النهاية إلى عدم الفصل الكلي بين الأشياء، وعدم تمايز جواهرها، إذ نجد عوارض مشتركة بين الأشياء يتجاذبها هذا النوع كما الآخر، وهو ما يظهر من خلال الصفات المشتركة بين كل من البهائم والإنسان والنبات. ويبقى التحديد مبنيا على بعض الصفات الذاتية التي تعطي بعض الفوارق بين الأشياء - وهي التي سماها فورفوريوس بالخاصة - من جهة، وتخضعها لمنطق التصنيف ضمن نوع معين من جهة أخرى