adsense

2015/05/20 - 8:52 م


   أصدرت محكمة مصرية يوم السبت 17 ماي الجاري حكما بالإعدام على الرئيس المعزول محمد مرسي فضلا عن أكثر من مائة آخرين متهمين في قضايا مختلفة، أهمها الهروب من السجون خلال ثورة 25 يناير 2011. و المحكوم عليهم بينهم متوفون ومعتقلون بإسرائيل قبل 10 سنوات، ومنهم كذلك الشيخ يوسف القرضاوي. و قد أحيلت أوراق الحكم إلى السيد المفتي فيما نسب إليهم قصد إبداء الرأي الشرعي فيها.
   لا شك أن هذا الحكم سيعمل على تقسيم مصر بين مؤيد و معارض، و سيشعل الغضب بين مؤيدي الإخوان المسلمين و أتباعهم. كما سيترك ــ الحكم ــ ارتياحا لبعض مناهضي سياسة الإخوان، و بالتالي المطالبة بمزيد من الأحكام المتشددة. و بين الغاضب و المرتاح ستبقى مصر تترنح و تغلي فوق بركان قابل للانفجار في أية لحظة. فهل حبل المشنقة الذي، ربما، سيستقبل رقبة مرسي سيخنق مصر قبل أن يزهق روح الرئيس المعزول أو حتى بعد ذلك...
   حينما يتقلد العسكر سدة الحكم يتجه نحو استئصال شأفة من كان في الحكم قبلهم؛ و يبيد كل من يقف أمامهم أو سيقف ــ افتراضيا ــ في ممارسة حكمهم. لا نذهب بعيدا لتعزيز هذه الفكرة، و ما علينا إلا أن نستدل بما جرى بعد إعدام صدام حسين و العقيد معمر القدافي. فكلاهما أتى من أحضان العسكر و اغتصب السلطة و أدار الحكم بيد من حديد، و سجن و نكل و عذب و أعدم ... و تاريخهما حافل بالبطش و المحكمات الصورية و الانتقام و الإقصاء لمعارضيهم... و يشاء القدر أن ينتهي حكمهما بطريقة أو بأخرى... ومع نهايتهما دخل كل من العراق و ليبيا في نفق مظلم لا يعلم مصيره لحد الساعة إلا الله سبحانه و تعالى. فهل سيسير العسكر بمصر في نفس مسار كل من العراق و ليبيا؟ وهل ليس في حسبان من هندس و خطط لإعدام محمد مرسي سيجر أبناء مصر إلى ويلات الكراهية 


و الحقد و الاحتقان و الصراع و التطاحن...؟ أليس الكل سيكون ضحية لسياسة أحادية الاتجاه؟ أليس الضحية رقم واحد لسياسة الاتجاه الوحيد ــ أو سياسة  "وحيد القرن"  (Rhinocéros) كما أبدعها في عمل مسرحي Eugène Ionesco  ــ هو الوطن الذي يجمع الكل؟...
   و مما لا ريب فيه، أن مصر هي من أصدر حكم الإعدام في حقها، و هي من ستحال أوراق حكمها إلى السيد المفتي...و لا أحد يمكن له أن يتكهن كيف ستكون ردة فعل أهل مصر إذا أعدم رئيسهم الشرعي و الذي تقلد الحكم بطريقة ديمقراطية. لا شك أن ردة الفعل ستكون أقوى مما نلاحظه و نسمعه على ما يقع في ليبيا و العراق بسبب ممن كانوا حاقدين أو راضين على نظامي القدافي و صدام. و لا أحد يمكن له أن يتنبأ بما ستصبح عليه مصر فيما لو تشبث العسكر بالسلطة المطلقة و بالدولة البوليسية و العودة لما قبل ثورة 25 يناير 2011. فسياسة الإبعاد و الإقصاء و الأحكام الصورية للإخوان ستكون مخاطرة غير محسوبة العواقب؛ فهم متجذرون في عمق الشعب المصري بكل طبقاته و أطيافه؛ و لا يمكن لأحد أن يجتثهم و يبيدهم عن آخرهم. و التاريخ قد يعيد نفسه، فقد سبق السيسي ممن حاولوا الحد من نشاط الإخوان التعبوي و السياسي و لم يفلحوا، غير أن نظام مبارك تعايش معهم بشكل أو بآخر و نجح، إلى حد ما، في استيعابهم و أشركهم، بحجم ما، في تدبير شأن البلد. في حين أن الرئيس الحالي لمصر، عبد الفتاح السيسي، قد يكون أصيب بجنون العظمة حينما قرر و بالتحالف مع الدولة العميقة لنظام مبارك إبعاد الإخوان عن السياسة و عدم عودتهم مجددا. و لعل هذا الإبعاد و الإقصاء، هو إبعاد مصر من قلوب أبنائها و المحافظة عليها و على مؤسساتها و مكانتها و بالتالي إدخالها في مستنقع ملئ بالأوحال و الأوساخ .
   الوطن هو متنفس للجميع، و سنة الاختلاف ناموس كوني، و يرتاح كل من يجد في وطنه حريته و تصريف إمكانياته و قدراته في إطار مؤسسات و قانون هذا الوطن التي يجمع الكل ...و رحم الله الملك الراحل، الحسن الثاني، حينما سئل فيما إذا كانت جبهة الإنقاذ الجزائرية في المغرب، ماذا ستفعل؟ ــ في إشارة إلى اكتساح الإسلاميين للانتخابات في الجزائر و إثرها تعرضوا لمضايقات من طرف السلطة الحاكمة ــ فأجاب: " Le meilleur insecticide pour ces insectes, c’est leur donner la liberté" . جواب جد متبصر و غاية في الحكمة و الرزانة ...


  المصطفى منعـــوت