adsense

2022/03/07 - 2:34 م



بقلم عبد الحي الرايس

مُقابلة بين تجربتيْن لحاكميْن بَصَمَا مُرُورَهُما بفاس

أحدُهما أجاد الإصغاء، وآثر التجاوبَ والانصياع.

بينما اختار الثاني التَّصَامُمَ، وأمْعَنَ في الانفراد بالقرار.

كان هاجس الأول تأهيل المدينة، وإذكاء حس المواطنة لدى ساكنيها، فعقد الاجتماع تلو الآخر مع ممثليها، وتردَّد السؤالُ عن مشاكلها، مُتعهداً بالإسهام في التماس الحلول لها، وفي لقاءٍ مَوْعُود، أقبل مُبشِّراً برصد اعتماد لحلِّ أحدِ مشاكلها، ببناءِ سُوقيْن بساحتيْن لمعالجة ظاهرة الباعة الجائلين، فسايرَتْهُ الأغلبية في الجماعة، وتَحَفَّظ اثنان، سرعان ما عقَّبَ عليهما الرئيس قائلاً: إنهما يُعبِّران عن رأيٍ شخصي، غير أن صوتاً آخرَ انْبرَى مُوَضِّحاً: بل إنهما يعكسان ضمير المدينة، فلو عمدنا اليوم لبناء ساحتين لصار علينا غداً أن نبني غيرهما، وسَتَنْفَـدُ الساحات، وتتشوَّهُ المدينة، ولنْ يُحَلَّ مُشكلُ ظاهرةٍ مُتنامية، هي وليدةُ وضعيةٍ اجتماعيةٍ واقتصادية.

عندها، أغلق الحاكمُ مِلفَّهُ، وأعلن تراجُعَه عن الاقتراح اقتناعاً بما أتى به الاعتراض، رغم أن الأغلبية كانت مع اتخاذ القرار.

أما الثاني، فحَلَّ بالمدينة مُعْتدّاً برأيه، مُنْفرداً بقراره، فأصاب حيناً، وأتى أحياناً بما كان عليه الاعتراض، واعتبره الكثيرون مُجْهِضاً لطموحات سكانها، وتطلعات نخبتها إلى تخليصها من مظاهر البداوة التي طغت عليها، وإلى توفير أسباب استدامتها وازدهارها.

فاسْتُبِيحَتْ أرصفتُها، وتَمَّ تضييقُ شوارعها، وظلت تُراوح مكانها، مُتأرجحة بين ترْييفٍ وتمْدين، كُلُّ ذلك في إعراضٍ تام عن سماع الرأي الآخر، حتى لو كان مُعلَّلاً مُسْنَداً بمرجعياتٍ ومعايير، فالرأيُ ما يراهُ صاحبُ القرار الوحيد، حتى لو أتتْهُ المَشورة من ناصح أمين.

تلكم تجاربُ تَتْرَى، ولو دامتْ لِسَالِفها، ما آلَتْ إلى لاَحِقِها، وفي ذلكم عِبرة لِمَنْ يَعتبر.