adsense

2022/03/29 - 11:26 م


 بقلم عبد الحي الرايس

غَداةَ الاستقلال، في منتصفِ خمسينيات القرن الماضي، كانت الإمكاناتُ بسيطة، والاعتماداتُ هزيلة، ولكنْ كانت الرُّؤى بعيدة، والتوجُّهاتُ جريئة، والعزائمُ شديدة، وبمُوجِزِ القول انتفتْ من لغة القوم حاكمين ومحكومين عباراتُ عسيرةٍ ومُستحيلة، وتعبأ الجميع بهمةِ الأبطال، ورؤية الأفذاذ للبناء، وقهْر الصعاب، والتحسُّبِ لما هو آت.

ـ بعد الجلاء تَحَدَّدَ الاختيار في "المغربة والتوحيد والتعريب والتعميم" عنواناً على الاعتداد بالهُوية، وإرادة ترسيخ الحرية، وتسريع وتيرة التنمية.

ـ وكان بين الشمال والجنوب عزلة وصعوبة تَنَقُّل، أمْلَتْ إطلاقَ مشروع "طريق الوحدة" يَصِلُ بين تاونات والحسيمة، وعبَّأت ـ في صَيْفٍ حَارّ ـ أحدَ عشرَ ألفاً من الشباب بسواعدهم يُزحزحون الصخور، يَهُدُّون الجبال، ويُعَبِّدون المسار، وبحماسهم يُزاوجُون بين أشغال النهار، وتثقيفِ المساء، رافعين شعار:

"نحن نبني الطريق، والطريقُ يبنينا"

ـ وفي زمن امتلاء البحيرات وتدفق الوديان، كان التحسُّبُ لما هو آت، فشُيِّدت السدود، وبُنيتْ محطاتُ معالجة المياه.

ـ وإبَّانَ امتلاء الآبار، وسهولةِ الحصول على النفط من عِدَّةِ أمصار، كانت المبادرة إلى إحداث محطة لاسمير بالمحمدية للتصفية والتخزين، ترشيداً، وتيسيراً، وتوفيراً، وتحسُّباً للزمن العسير.

ـ وعند منتصف سبعينيات القرن العشرين، كان الحدث المشهود الذي جهز الحشود في مسيرة انتظمت 350.000 من حاملي كتاب الخالق المعبود، يزحفون نحو أرض الجدود، ليعانقوا أهلها، ويَكْسِروا الأغلال والحدود.

ـ وفي تجاربَ جماعيةٍ مُبكرة، كان المنتخبون ينْغمرون في جلب المنافع لناخبيهم، ويدرؤون عنهم المَضَارّ، ويخففون عنهم الأعباء، ويتنافسون في تحسين حال المدن والأحياء.

ـ وعند تنافس أقطار عربية في تشكيل مجامعَ لغوية لمواكبة العصر والإمداد بالمصطلحات والمعاجم، كان المغرب سباقاً إلى إحداث المكتب الدائم لتنسيق التعريب، سعياً منه نحو توحيد المصطلحات، وتجاوز الفُرْقةِ والشتات.

تلكم بعض ملامح ماضينا، فهل لها أن تُحدث الصحْوة فينا، وتبعثنا على أن نُنافس الأجداد، ونحافظ على الجذوة متأججةً ننقلها للأبناء والأحفاد؟