adsense

2019/02/15 - 11:32 م

نصادف هذه السنة الذكرى الثلاثين لتأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش سنة 1989، والتي مثلت بادرة متميزة لتجسيد الحلم المغاربي، الذي تشكل منذ بدايات الحركة الوطنية وتمظهر في سلوكات سياسية وفكرية وفي مشاعر وجدانية، والذي يعتبر حدا أدنى لما تتطلع إليه شعوب دول المنطقة. رغم موجة التفاؤل الهائلة التي أثارها التأسيس، إلا أن هذا البناء ظل بلا روح تحت ثقل الإرث التاريخي، والحسابات السياسية الضيقة التي دفعت بالكثيرين إلى اليأس، بالرغم من عدد من المبادرات التي صدرت من عدة جهات ومستويات مسؤولية، لعل أبرزها إعلان الحقوق الخمسة للمواطن المغاربي، الذي طرحه الرئيس التونسي الأسبق محمد المرزوقي، والذي لقي تجاوبا واسعا في أوساط النخب الفكرية والسياسية، إضافة إلى عدد من المبادرات التي جاءت في الآونة الأخيرة من المغرب ومن الجزائر، والتي أكدت أن الأمل في تحرك القاطرة المغاربية من جديد لا زال حيا وقائما.
أصبح في هذا السياق، السؤال المطروح هو: ماهي المسالك الجديدة التي بإمكانها تعزيز الفكرة المغاربية والتي يمكنها أن تساهم في تصليب عمارتها وتجسير الحوار واسترجاع حرارتها ومصداقيتها؟ وكيف يمكن لإطلاق مبادرات نوعية تساهم في إخراج الحالة المغاربي من عنق الزجاجة؟ وبأية صيغة يمكن للنخب المدنية والفئات المثقفة تحويل مشروع المغرب العربي الى فعل تاريخي قادر على تعزيز مقومات التنمية في الاقطار المغاربية؟ وكيف يمكن أن تلتقي السياسة والفكر في تركيب برامج مشتركة قادرة على تحويل بنود ميثاق الاتحاد المغاربي الى معطيات قابلة للانغراس في تربة الواقع؟ وأخيرا ماهي الممكنات القادرة على تحويل المشروع الى واقع والحلم إلى حقيقة؟
المحور الاول: الاتحاد المغاربي: تدوير الزوايا
يتصدى هذا المحور لاستعراض ومناقشة الضغوط التي كرست الأمر الواقع، ولتشخيص العقبات وتحليل الصعوبات الموضوعية والذاتية، وكشف خارطة الأزمات، ووضعها تحت المجهر للكشف عن خلفياتها وتداعياتها وتصنيفها، وفهم اشتغالها ضمن أفق يسعى إلى تقديم اجابات عميقة وحلول دقيقة وصوغ مشاريع مستقبلية. والانتقال من تشخيص العقبات وتصنيفها نحو رسم حلول جديدة؟ والبحث عن الصيغ النظرية التي تتجاوز عوائق الماضي وتفتح صفحات جديدة تثمن المصير المشترك.
تكمن قوة المقترحات والتوصيات التي سوف يخرج بها هذا المحور في تنوع مصادرها الجغرافية على امتداد الخارطة المغاربية، وفي تدرج مستوياتها من المدني إلى السياسي إلى الأكاديمي، وفي ولائها المطلق لأولوية المشروع المغاربي، الذي يمثل الضمانة الأبرز لتنمية واستقلال الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، والساحل الشمالي الغربي لإفريقيا.
المحور الثاني: البناء المغاربي، والمبادرات الممكنة
نسائل هي هذا المحور أدوار المجتمع المدني والنخب والقوى الفاعلة في وضع هذا الخيار الحيوي موضع التطبيق، وإبراز الامكانات المتاحة والوسائل الممكنة التي يمكن استثمارها في الدفع باتجاه تجسيده وقطع الخطوات الأولى.  هنا يمكن أن نتساءل عن الاضافة التي يمكن لهؤلاء الفاعلين تقديمها؟ وما هي قيمتهم المضافة بالتوازي مع عمل الحكومات؟ وكيف يمكننا الخروج بهذه التوصيات من الكمون الى الفعل؟ وما هي سبل التنسيق بين المجتمع المدني المغاربي والفاعلين السياسيين، على اختلاف مواقعهم لكي تأخذ المسألة المغاربية الموقع الذي تستحقه في البرامج التربوية والإعلام والسياسات العمومية؟
المحور الثالث: كيف نجعل من الاندماج المغاربي بوصلة للسياسات العمومية؟
لا يوجد اختلاف حول الأسس التاريخية للبناء المغاربي، حيث يعلم الجميع تعدد المشتركات بين البلدان المغاربية، والبنيات الثقافية المتشابهة والحاجة البنيوية لهذا البناء لتحقيق التنمية. يتمحور التحدي البحثي في هذا المحور حول سبل تطوير السياسات المتبعة، ليس فقط للخروج من النمطية، ولكن كذلك لكي تخرج من طابعها التماثلي التنافسي التابع، وتأخذ مسارها نحو آفاق مندمجة ومتكاملة. في هذا الصدد، تطرح التحديات التنموية والأمنية نفسها بقوة، وهو ما يتطلب الاستثمار في المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي ما فتئت معلقة منذ الاستقلال، لا سيما الحيوية منها، مثل التكامل الطاقي وقضايا الأمن الغذائي، والماء والتنمية المستدامة، ومقاومة التصحر، والنهوض بالفلاحة والسياحة المشتركة، وتطوير البنية التحتية مثل ربط الطرق السيارة المغاربية وشبكة التغطية الهاتفية وتحسين شبكات النقل بأنواعها، لتسهيل التواصل، وحركة السلع ورؤوس الأموال.
إن الاستثمار في الاندماج الاقتصادي هو أهم ركيزة يمكن أن يستند إليها البناء المغاربي، فالمشاريع التاريخية لا تؤسسها التنظيرات المجردة المحددة بشروط سياقاتها واكراهات الواقع، بل إن ما يصنعها هو تجسيد الخطط القابلة للتنفيذ ضمن آجال محددة ومساقات مضبوطة. إن تقديم توصيات تشكل منبتا لأفكار خصبة لا تثمن الفكرة المغاربية فقط أو تبرز نبلها، وإنما تدفع إلى العمل على جعلها قابلة للإنجاز على الارض. فماهي آليات ترجمة المشاريع من خانة التنظير إلى أرض الواقع؟ ما هي آليات تجسيد المقترحات والتوصيات، وكيف يمكن مد الجسور وتعزيز التواصل لكي تشكل هذه المبادرات الاسمنت للتكامل والاندماج؟ وكيف يصبح التكامل المغاربي الوسيلة المناسبة لتمتين أواصر التقارب بين البلدان المغاربية تجسيدا لوحدة الجغرافية والتاريخ والثقافة؟