بقلم الأستاذ حميد طولست
"عموماً البالون دور: يا غا يدّيها
ولدنا، يا غا يدّيها ولد جارنا، يا غا يدّيها نسيبنا."
رغم الطابع الفكاهي للجملة، إلا أنها
تختصر مشهدًا أوسع يتميز بتشابك الرمزي بالواقعي، والعاطفي بالتنافسي، والانتماء
الرياضي بالمخيال الجمعي. فـ"ولدنا" هو اللاعب المغربي أشرف حكيمي، أحد
أبرز نجوم القارة الإفريقية والعالم، و"ولد جارنا" هو كيليان مبابي،
الفرنسي ذو الأصول الجزائرية، و"نسيبنا" هو عصان ديمبيلي، المتزوج
بالمغربية ريما إدبوش، نجم المنتخب الفرنسي وباري سان جيرمانن، هداف البطولة
الفرنسية الذي لامس القلوب بمواقفه
الإنسانية.
تُظهر هذه المقاربة العاطفية كيف باتت
كرة القدم، في المخيال الجمعي المغربي، فضاءً لتعويض الخسارات الرمزية والسياسية
التي تعيشها المنطقة. فأصبح "التتويج" الفردي فرصة لإثبات الذات في محفل
دولي تُهيمِن عليه أسماء وأجندات غربية، وأصبح اللاعب العربي أو المتعاطف مع قضايا
المنطقة يحمل فوق أكتافه عبء تمثيل شعب بأكمله، لا مجرد قميص فريق.
في هذا السياق، يصبح الانحياز العاطفي
لمرشح عربي أو قريب منه جزءًا من بحث دائم عن الاعتراف، عن لحظة انتصار رمزية
تُعادل في قيمتها ألفَ خطاب سياسي.
فعلى المستوى الفني، تتقاطع الطرق نحو
الكرة الذهبية هذا العام بين أسماء لامعة:
أشرف حكيمي، الذي حافظ على مستواه
العالي في باريس سان جيرمان، وكان أحد ركائز التأهل إلى نصف نهائي دوري أبطال
أوروبا، إضافة إلى كونه أحد أعمدة المنتخب المغربي بعد إنجازه في مونديال قطر
2022؛
كيليان مبابي، المتوّج مرة أخرى بلقب
الدوري الفرنسي،
وجود بيلينغهام، بطل دوري أبطال أوروبا
وأفضل لاعب في الليغا لهذا الموسم، صاحب التأثير الحاسم في مباريات ريال مدريد
محليًا وأوروبيًا.
ورغم أن التتويج في نهاية المطاف سيكون
لصاحب الأرقام الأبرز والألقاب الأهم، إلا أن طريقة استقبال الجماهير للنتيجة
النهائية ستظل محكومة بمنطق "القرابة الرمزية"، وليس فقط الحسابات
الرقمية.
تُظهر التفاعلات المغربية مع سباق
الكرة الذهبية تحوّلًا جوهريًا في مفهوم النجومية الرياضية. لم يعد اللاعب مجرد
موهبة فردية، بل حاملًا لمعانٍ أكبر: الهوية، والقضية، والانتماء، والتمثيل
الرمزي. وهذا ما يفسّر حرص الجماهير العربية، خاصة في المغرب والجزائر وتونس، على
إسناد "ابنهم" أو "من يشبههم" في سباقات لا تُشبههم عادة في
قواعدها وخلفياتها.
ففي جوائز تُمنح بناءً على تصويت
صحفيين ونخب أوروبية، تصبح "المكانة الرمزية" بديلاً مؤقتًا عن
"التمثيل الحقيقي"، إلى أن تحقّق الكرة المغربية اختراقًا فعليًا في
منظومة صناعة القرار الكروي العالمي.
قد يرى البعض أن مثل هذه المقاربات
العاطفية تبتعد عن الاحترافية، أو تُخضع الرياضة لمنطق "الهوية" بدل
"الجدارة". لكن الحقيقة أن الجماهير، في كل دول العالم، تعيش كرة القدم
كقصة انتماء، لا فقط كلعبة نتائج. ومن حق الجماهير المغربية أن تحلم بأن تتويج
"ولدها" أو ولد جيرانها أو "نسيبها" هو تتويج لها، لثقافتها، ولمكانتها
في المشهد العالمي.
وفي انتظار إعلان الفائز الرسمي، ستبقى
الجملة المتداولة تمثّل، في عمقها، نداءً جماعيًا بسيطًا: نحن هنا أيضًا... ونستحق
أن نُرى.