adsense

2019/01/23 - 8:28 م


بقلم الأستاذ حميد طولست
يحرص الكثيــر منا على غذاء الجسد ويهتم به غايـــة الاهتمام ، ويسعى لتحصيل ألوان الأطعمة لتقويته ، ويتفنن في تنويع أصنافها لتسمينه ، يطهوها الطهو المتنوع الطعوم ولذيذ النكهات، لتروق ذوقه وتشبغ حاجته ، لكنه قلما يهتم بغذاء روحه ، وكأنه جسد بلا روح ،  ولن أبالغ إذا قلت أن غذاءها  بالتطهير والتربية والتهذيب، وتنقية القلب و الضمير ، وتقوية كل معاني الرجولة والإنسانية ، هو أهم من غذاء الجسد في أكثر الاحيان ، وإن كانت تغذيته ضرورية لاستمرار الحياة فيه ؛ فلماذا ياترى نهتم بتغدية أجسادنا ونغفل الروح والعقل؟ سؤال أو تساؤل قديم  كثير التداول الذي لا يشكل نقدا أو عتابا ، بقدر ما هو تحفيز للعقل الجمعي للمساهمة في تحسين المسار البشري ، وإضفاء اللمسات الإنسانية على تطوره الذي لا يمكن أن يحدث مع أجساد بلا روح ولا ضمير ؟ منطقيا لا أرى ذلك ممكنا ولا يصح مع ذوي العقول النيرة المدبرة ، التي لا تتمسك بزيف زهو الخطأ ، وتتراجع عنه إن وقعت فيه، وعمليًا، يمكن أن يحدث ذلك على أرض الواقع  ، ويعيش الإنسان بجسد لا روح فيه ، إذا كان من الذين يعلّمون أولادهم قول الحق، وعندما يجدون أن ذات الحق مضر بمصالحهم ، يتراجعون عنه وينصحون بالسكوت عنه ، ويسموم نصرفهم  ذاك ، حكمة ونباهة ، مع علمهم القاطع أن الساكت عن الحق شيطان أخرص، كما يمكن أن يحدث نفس الأمر الذي مع الذين يحثون أطفالهم على الصدق ، ويأتون غيره في تصرفاتهم اليومية ، كالذين يتلقون مكالمة هاتفية من شخص لا يرغبون فى التحدث إليه ، يأمرون أبناءهم بإبلاغ المتصل بعدم وجودهم، وهم يعلمون علم اليقين أن الكذب مفتاح كل الشرور والموبقات، وأن الكذابين ملعونون عند الله بدليل قوله تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون 105 النحل،  وقوله تعالى "فنجعل لعنة الله على الكاذبين 65 آل عمران ، ولا شك أن الإنسان يمكن أن يعيش في جسد بلا روح ولا ضمير ، إذا كان ممن يحاكمون الناس على الخطيئة ، ويلومونهم على التقصير فى أداء الواجب ، وطنيا كان أو دينيا، وإذا انفردوا بأنفسهم ، إرتكبوا ما حاكموا غيرهم عليه ، وتلذذوا بما لاموهم به ، دون أن يشعروا بتبكيت ضمير أو وخزه ، وكانوا في ذلك كالذين يأكلون مع الذئب ويبكون مع  الراعي ..
فهل هناك أيّ أمل في تغيير سلوكات مثل هذه النوعية من البشر ؟ شخصيًّا، أعتقد أن ذلك ممكنا ، لأنه ﻻ يوجد إنسان كامل ، كما يقال ، لكن أجمل ما في الناس قابليتهم للتغير ، وسعهم الدائم ليكونوا أفضل في الغد مما هم عليه اليوم وما كانوا عليه بالأمس ، لأنهم ، رغم بساطتهم ، يمتلكون أرواحاً نادرة جداً ، تتعلم من مشاق الحياة وما يقابهم من صعوباتها ومنعطفاتها ، التي كلما زادت ضرباتها وإحباطاتها ، كلما إزدادوا طموحاً وأملاً ، وكلما أوشكت أحلامهم أن تجف تدفقت أحلام جديدة غيرها في شرايينهم ، وكلما قلت القيم الحميدة من حولهم ، تفتقت القيم الشخصية التي ينعمون بمحتوياتها العالية الراقية المستبطنة في دواخلهم والتي تنتظر المحفز على ظهورها..