adsense

2018/08/29 - 12:02 م

بقلم فادي قدري أبو بكر كاتب وباحث فلسطيني
تمثل استعادة الدولة الإسلامية الهدف الرئيسي المُعلن لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لكن هذا الهدف يبتعد كثيراً عن أرض الواقع وما يحفل به من حقائق وقضايا ساخنة ليرسم حدود هوية فضفاضة وطوباوية أيضاً تتجاوز حقائق التاريخ في الماضي ومتغيرات الواقع الاجتماعي والحضاري في الوقت الراهن ؛ وذلك لكونها تتجاهل ذلك التنوع الهائل عرقياً ولغوياً وثقافياً للشعوب الإسلامية في عصرنا. وتتجاهل تمدد تلك الشعوب وانتشارها على جغرافية شاسعة تشكل في نهاية المطاف حاجزاً يحول تماماً دون إقامة الدولة الإسلامية الواحدة. فلهذه الشعوب سياقات تطور اجتماعي واقتصادي وسياسي شديدة الاختلاف، فما هو إذاً الهدف الحقيقي الخفي لداعش وما دلالات توقيت ظهورها ؟؟
تتعامل داعش مع الدين الإسلامي كقالب جامد متجاهلة الاختلافات الفقهية. فالدين ليس نصوصاً مقدسة فحسب، وإنما هو نصوص مقدسة وتفسيرات مختلفة لها. بمعنى أن داعش  تدخلنا في مشكلة تاريخية مزمنة وتجعلنا جزءاً من كل غير موحد من حيث طبيعة المشكلات الاجتماعية التي تفرضها  و الثقافة التي تتبناها والأهداف التي تنوي تحقيقها.
إن إنشاء  داعش بفكرها وطريقة عمل تنظيمها لا ينعكس سلباً سوى على الوضع في البلدان العربية، التي تعيش في وضع متردٍ ومأزوم أصلاً، ما يقودنا إلى نتيجة حتمية أن  داعش ليست سوى صنيعة استخباراتية – غربية أمريكية- هدفها إنهاء ما تبقى من هياكل الدول العربية، وصناعة الخرائط في المنطقة، إضافة إلى تمزيق سبل التعايش بين أطياف المجتمعات، وذلك عبر تكريس حالات الاستقطاب المذهبي.
تأكيداً على ذلك، فإننا إذا تابعنا ما يُقال من قبل الجمهور العربي عن داعش في وسائل التواصل الإجتماعي، سنجد من يتهم تركيا بأنها وراء داعش تارةً، و سوريا و إيران، أو السعودية أو قطر أو غيرها تارةً أخرى. إن ذلك  لا يمكن فهمه سوى أن داعش حصان طروادة أمريكي يستهدف العقل والخطاب الجمعي والهوية العربية.
على الرغم من شجرة الظلام التي زرعتها داعش،  وكونها بذرة إضافية للخراب والفوضى في الوطن العربي. إلا أن وجود هذا التنظيم بحد ذاته لا بد أن يستفز أسئلة الهوية المختلفة، فإذا ما استعدنا الحديث عن الهوية القومية، فهي تبدو أكثر قرباً إلى الواقع بالمقارنة مع الهوية الدينية، فهي ترتكز على العروبة متخذة منها منطلقاً في تحديد الهوية القومية للشعوب التي تعيش في البلدان التي يصطلح عليها بالوطن العربي.
 على الرغم من الواقع المجزأ فعلياً، فإن الفكرة المراد توصيلها في هذا المقال، هي ليست تجاهل حقائق الدولة القطرية المنطبقة على أرض الواقع، وإنما حقيقة أن الاستفزاز الذي يخلقه وجود داعش لأسئلة الهوية، قد تكون أداة يمكن استثمارها من قبل النخبة العربية في سبيل خلق حقيقة نفسية مرتبطة بالهوية القومية العربية فضلاً عن كونها واقعاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ودولياً
إنه لواجب على النخبة العربية أن تعمل على خلق  هذه الحقيقة النفسية لتفادي الانزلاق الذي يتعرض له الخطاب الجمعي العربي والهوية العربية، بحيث يكون "المانشيت العربي" الموحّد والموجّه للعابثين الذين تُغيظهم لُحمتنا ويُغيظهم أمننا: "لا مُقام لكم بيننا".