adsense

2017/06/22 - 11:56 م


بقلم الأستاذ حميد طولست


لاستمرار العلاقات الإنسانية حية ، لا خيار لنا سوى ان يبدأ كل منا بنفسه ويسمو بها فوق عقدها.. ويباعد بينها وبين الركون الى افتعال المشاكل الوهمية التي لا يتورع أحدنا في انتقاد غيره بها وإتهامهم بذنبها  ، كأسهل الطرق وأخطرها في نفس الآن، لإثبات أنه على حق خاصة عند تعدد الآراء، أو تقديم الأدلة على خلوه من العيوب ، إذ ليس هناك ما يؤثر سلبا على الروابط الإنسانية ويسير بها إلى المنعطفات المسدودة ، أكثر من انتقاد الآخرين لأتفه الأسباب وأحقر الأشيا ، واتهامهم بالتقصير، أو ضحالة الفهم .  الانشغال بعيوب الغير، ونسيانه أو تناسيه أنهم بشر ، وأنهم يصيبون ويخطئون، كما في الحديث: "كل بني آدم خطاء، وخير والخطائين التوابون" .
فكم هو قبيح أن ينسى الإنسان عيوب نفسه الأمارة بالسوء، والتي تحتاج إلى المجاهدة والعلاج ، وينظر إلى عيوب غيره بمنظار مُـكـبّرة يرى به القـذاة الدقيقة في عين أخيه ولا يرى "العمش"  في عينيه" والذي عبر عنه الشاعر بقوله البليغ:
قبيح من الإنسان ينسى عيوبه *** ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى
فلو كان ذا عقل لما عاب غيره *** وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى.
ولذا يجب ألا يحرص المرء على التفتيش عن عيوب الآخرين ، وتتبع عوراتهم ، وتضخيم معايبهم وإظهارها بدعوى إصلاح أحوالهم ، وكلنا يعلم أنه من المستحيل إصلاح الكثير من الأمور ،بفضح الخفايا والأسرار التي سترها رب العالمين ، وعليه أن يكتفي بالخير الذي يظهره الناس في وجهه، مراعاة لحجم عقولهم ، لأنه غير مضطر لتصحيح  تفكيرهم أو سلوكهم ، بقدر ما هو مجبر على إصلاح نفسه ، التي سيسأل عنها قبل غيرها، مصداقا  لقوله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " سورة المدثر 38، لأن الانشغال بعيوب الناس آفة من آفات اللسان، وعيب من عيوب النفس المؤدية إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد ، لأن لكل يكره من يخوض في أعراض الآخرين ويعيبهم بما فيهم، أو بما فيه ، ويشهر عيوبهم ويترك حسناتهم أو يتناساها ، فيفتح على نفسه باب الغيبة وسوء الظن ، والرد عليه بالمثل أو بأشد منه ، فتحدث القطيعة وتنتشر العداوة والبغضاء ، وقد قيل في المثل السائر " من عاب الناس عابوه" ، وقال الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ... فكلك عورات و للناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايباً ... فصنها و قل يا عين للناس أعين
وقالت مجموعة جيل جيلالى في إحدى أغانيهم :"يا ذوك اللايمين رفقوا من حالي ، لاش تعيبو فقولي وافعالي ، شدرت انا شدرت فيما يجرى لي ، مناش الي اخترت لعيوب ديال !!"
يتبع...