adsense

2021/03/07 - 6:34 م


 بقلم عبد الحي الرايس

يَعْمُرُها البُنيان، تغيبُ عنها الْجِنان، وتتضاءلُ بها شروطُ تكريم الإنسان، وتِلْكَ التي تَعْبُرها الوديان يتهددها الطوفان، ومَنْ يُسنَد إليه فيها الأمْرُـ مسؤولاً أو مُنتخباً ـ  يصير ذا شأن، وينفردُ بقرارٍ يَعتبرُه الرُّجْحان.

طغى عليها الازدحام، وساد بها الصراعُ والاختناق، وبعد أن كانت الحياة بها نعيماً صار العيشُ بها جحيماً لا يُطاق.

والحال أن بِمُكْنَةِ الإنسان أن يُعْمِلَ عقلَه، ويُبدِّلَ حاله، ويُصْلحَ مجاله

هذا ما صنعته وتصنعه مدن رفعت شعار " الاستدامة "وبَلْوَرَتْهُ تخطيطاً وأجرأةً ومُمارسة

فصار التَّوَجُّهُ نحو:

ـ مدينة يُطوِّقُها حزام أخضر، وتتكاثفُ بها حدائقُ تؤمِّنُ لِسُكانِها  نقاوة الهواء، وتحقق بها التوازن مع المعمار، تُنافس غيرها، وتتجاوز ذاتها في تهيئة "حديقة نبات" تتميَّزُ عن باقي الحدائق باستحضار عيِّناتٍ موضوعاتيةٍ من مُختلِف بِقَاع العالم، تُعَرِّفُ بها، تَدْرُسُ خصائصَها، تُبْرزُ تَنوُّعَها، وتُحافظ على المُهدَّدِ منها بالانقراض، تُفِيدُ الناشئ، وتُلْهِمُ الشاعر، تُسْعِفُ الباحث، وتُمْتِعُ السائح.

ـ مدينة تمنح الأولوية لنقل عمومي يستخدمُهُ الْمُوسِرُ والمُعْسِر، ودَرَّاجةٍ يُحَفَّزُ على اقتنائها الجميع، يتنقلُ بها البسيط والوزير، وفضاءاتٍ لِلْمُشاة، تزدانُ بالأزهار، وتحظى بكامل الاهتمام، تُهَمَّشُ فيها السَّيارة، ويُرَاهَنُ فيها على تكريم المُتنقلين والمارَّة.

ـ مدينة تختفي فيها النفايات، وتصير مصدر تثمين وطاقة

ـ مدينة تنتفي فيها الانبعاثات، وتحضر فيها الطاقة المتجددة من مصادرها المستديمة.

ـ ومدينة تَعُجُّ بالمسارح والمتاحف والمكتبات، ومعاهد الفنون ودور العلم والثقافة وبديع المنشآت ، تغري بالتثاقف، وتلهم الإبداع والتآخذ.

كل ذلك إنما يُحقِّقُهُ غيورُون، لِأنَاهُمْ مُغَيِّبُون، وفي الرِّيع زاهدُون، شِيمَتُهم نُكرانُ الذات، وشعارُهم تأمينُ توازناتِ الحاضر، وهَاجِسُهُم التحسُّبُ لمتطلباتِ الغد، ومُستقبلِ الأجْيال .

ومَشْتَلُهُم أحزابٌ وطنيةٌ تصطفي خيرَ الكفاءات، وتتعهدها بالتكوين والتأهيل، لِتُمارسَ الديمقراطية التمثيلية بكل مسؤوليةٍ ووعيٍ وأمانة ، ومُرونةٍ وانفتاحٍ ونزاهة .

وجمعياتٌ مَدنيَّة تَعْكِسُ نبض المجتمع، وتكونُ لسانَ حَالِهِ عبْرَ ديمقراطيةٍ تشارُكيَّة ذاتِ فَعَالية في تحقيق حكامةٍ جيِّدة تُنْضِجُ الرُّؤى، تعصم من الأخطاء، وتَقي من العثرات التي تَعكسُها المقولة المأثورة:  "كل ما تفعله من أجلي وبِدُونِي فهُو ضدِّي"

فمتى تنْضُو مُدنُنا عنها رِدَاءَ الْبِلَى والارتجال؟ وتكُفُّ عن الإمعان في تَكْرار نفسِ الأخطاء؟

ومتى تستلهمُ أحدث التجارب، وأنجحَ الخبرات؟، وتعتمدُ سديدَ الآراء وصائبَ القرارات؟

فتنتفي الحسْرة، ويَتبدَّدُ الإشفاق، ويَحُلُّ مَحلَّهُما التفاؤلُ والأمل، والانخراطُ الجماعي في تحقيق المُجتمع الأمثل، وبناءِ الغدِ الأفضل؟ !.