adsense

2021/03/10 - 10:18 ص

بقلم الأ ستاذ حميد طولست

حتى لو غض المواطن المغربي - المتسيس وغير المتسيس - نظره عما عرفه قانون القاسم الانتخابي من جدالات واهية ومهاترات فارغة ونقاشات شعبوية ومزايدات إعلامية كوسيلة للحوار السياسي بين مختلف الفرقاء السياسيين ، وما نجم عنها من اختلاق للخلافات الهامشية ، وافتعال للصراعات الجانبية والمعارك الدنكيشوطية البعيدة عن القضايا الرئيسة المرتبطة بهموم المواطنين وتطلعاتهم .

وحتى لو صرف نفس المواطن نظره عما عرفته الجلسة المخصصة للدراسة والتصويت على مشاريع القوانين الانتخابية ، من خرق سافر للإجراءات الاحترازية التي سنها مجلس النواب لمنع حضور برلمانييه بكامل عددهم تجنبا لخطر عدوى جائحة كورونا ، فإن طبيعة أي مواطن محب لبلاده ، محترم لمقدساتها ، محترم لقوانينها ، لن تطاوعه على غض الطرفه عن استنفار الفرق النيابية برلمانييها ، وحشدهم جميعهم في إنزال ضخم وقياسي غير المسبوق عند معرفته بأن تلك الضجة المفتعلة لم تكن من أجل المصلحة العامة للشعب المغربي ، ولا لتحقق رفاهيته، ولا للتقليل من شقاء وكمد ضعفائه ، وليست البتة لمحاربة آثار الضيق والحاجة التي تعيشها طبقاته المسحوقة ، ولا حتى من أجل التخفيف -على الأقل - من وطأته الاجتماعية والاقتصادية والسياسة والثقافية ، والارتقاء بمستوى ونوعية حياتها ، وتحسين الخدمات المخصصة لرفع الحيف والظلم عنهم،

كما أن وطنيته لن تسمح له بصرف نظره عن كل ذلك ، بعد تيقنه من أنها كانت مجرد قفزات بهلوانية غايتها الصرفة ، هي الاقتتال لإرضاء شبقيتهم المفرطة للامتيازات الريعية الخيالية والرواتب الفرعونية، والمنح المتميزة المتعددة ، وإشباع جوعهم المهول لصرف مال الشعب -الذي لا يملك الرأي العام وثائق عن صرفه- والذي وصل تحكمه في سلوكيات وتصرفات الكثير منهم، إلى مرحلة تجاوزت عندهم مشكلة الحياء من إعلان الأمر دون تحفظ أو تستر، والترويج له بالدجل والأكاذيب والزيف المبطن بالوصفات الديمقراطية و بالأيديولوجيات الدينية ، كما حدق مع تعديل "القاسم الانتخابي" الذي استمات مقترحوه على تمريره ، للظفر بما يفضل من المقاعد البرلمانية بعد توزيعها على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي، المستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها ، والذي تفانى معارضو التعديل في إسقاطه ، لرفضهم الحق في الوجود البرلماني إلا لرهطهم وعشيرتهم.

أمام هذه الرغبة الملحة ، وذاك الإصرار المسبق على ركوب الذين لا يمثلون إلا أنفسهم ، ولا يدافعون إلا على مصالح رهطهم وعشيرتهم ، على المصالح العامة لتحقيق المصالح الخاصة ، التي أعمت بصائرهم قبل أن تعمى أبصارهم .

أمام هذا وغيره كثير لم يبقى أمام أي وطني محب لبلاده ، محترم لمقدساتها ومحترم لقوانينها ، إلا أن يطلق أدعية الاستغاثة ، ونداءات النجدة ، وصفارات الإنذار المدوية على مداها ، علها ترتفع عاليا إلى السبع سماوات ، وتجتاز الكواكب ، وتخترق المجرات ، و تُسمع ممالك العدل والعدالة رجاءها بالتخلي عن حياديتها إزاء ما يقترفه من غابت إنسانيتهم ، ولوثت الأنانية الآدميتهم، في حق المواطن الذي ينشد النزاهة في التسيير والاستقامة في الأخلاق والإخلاص في المهام والصدق في القول والعمل وتحقيق العدالة الاجتماعيّة بين النّاس أثناء ممارسة مهامهم الخطيرة ، وأدائهم لوجباتهم نحو من انتخبوهم ، والتي لا يجد المواطن -البسيط والمسيس- أي أثر لها على أرض الواقع ، والتي من دون شك، أن التاريخ سيحاسب أي مسؤول منهم على تهاونه في مصلحة البلاد ومستقبل شعبها ، وعلى أي تقصير في حماية مصالحها التي ليست لعبة ، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع...الحديث.

ــــــــــ هوامش.

*القاسم الانتخابي: الذي ينص على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي، يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها