بقلم الأ ستاذ حميد طولست
حتى لو غض المواطن المغربي - المتسيس وغير
المتسيس - نظره عما عرفه قانون القاسم الانتخابي من جدالات واهية ومهاترات فارغة ونقاشات
شعبوية ومزايدات إعلامية كوسيلة للحوار السياسي بين مختلف الفرقاء السياسيين ، وما
نجم عنها من اختلاق للخلافات الهامشية ، وافتعال للصراعات الجانبية والمعارك الدنكيشوطية
البعيدة عن القضايا الرئيسة المرتبطة بهموم المواطنين وتطلعاتهم
.
وحتى لو صرف نفس المواطن نظره عما عرفته
الجلسة المخصصة للدراسة والتصويت على مشاريع القوانين الانتخابية ، من خرق سافر للإجراءات
الاحترازية التي سنها مجلس النواب لمنع حضور برلمانييه بكامل عددهم تجنبا لخطر عدوى
جائحة كورونا ، فإن طبيعة أي مواطن محب لبلاده ، محترم لمقدساتها ، محترم لقوانينها
، لن تطاوعه على غض الطرفه عن استنفار الفرق النيابية برلمانييها ، وحشدهم جميعهم في
إنزال ضخم وقياسي غير المسبوق عند معرفته بأن تلك الضجة المفتعلة لم تكن من أجل المصلحة
العامة للشعب المغربي ، ولا لتحقق رفاهيته، ولا للتقليل من شقاء وكمد ضعفائه ، وليست
البتة لمحاربة آثار الضيق والحاجة التي تعيشها طبقاته المسحوقة ، ولا حتى من أجل التخفيف
-على الأقل - من وطأته الاجتماعية والاقتصادية والسياسة والثقافية ، والارتقاء بمستوى
ونوعية حياتها ، وتحسين الخدمات المخصصة لرفع الحيف والظلم عنهم،
كما أن وطنيته لن تسمح له بصرف نظره عن
كل ذلك ، بعد تيقنه من أنها كانت مجرد قفزات بهلوانية غايتها الصرفة ، هي الاقتتال
لإرضاء شبقيتهم المفرطة للامتيازات الريعية الخيالية والرواتب الفرعونية، والمنح المتميزة
المتعددة ، وإشباع جوعهم المهول لصرف مال الشعب -الذي لا يملك الرأي العام وثائق عن
صرفه- والذي وصل تحكمه في سلوكيات وتصرفات الكثير منهم، إلى مرحلة تجاوزت عندهم مشكلة
الحياء من إعلان الأمر دون تحفظ أو تستر، والترويج له بالدجل والأكاذيب والزيف المبطن
بالوصفات الديمقراطية و بالأيديولوجيات الدينية ، كما حدق مع تعديل "القاسم الانتخابي"
الذي استمات مقترحوه على تمريره ، للظفر بما يفضل من المقاعد البرلمانية بعد توزيعها
على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي، المستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة
الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها ، والذي تفانى معارضو التعديل في إسقاطه
، لرفضهم الحق في الوجود البرلماني إلا لرهطهم وعشيرتهم.
أمام هذه الرغبة الملحة ، وذاك الإصرار
المسبق على ركوب الذين لا يمثلون إلا أنفسهم ، ولا يدافعون إلا على مصالح رهطهم وعشيرتهم
، على المصالح العامة لتحقيق المصالح الخاصة ، التي أعمت بصائرهم قبل أن تعمى أبصارهم
.
أمام هذا وغيره كثير لم يبقى أمام أي وطني
محب لبلاده ، محترم لمقدساتها ومحترم لقوانينها ، إلا أن يطلق أدعية الاستغاثة ، ونداءات
النجدة ، وصفارات الإنذار المدوية على مداها ، علها ترتفع عاليا إلى السبع سماوات ،
وتجتاز الكواكب ، وتخترق المجرات ، و تُسمع ممالك العدل والعدالة رجاءها بالتخلي عن
حياديتها إزاء ما يقترفه من غابت إنسانيتهم ، ولوثت الأنانية الآدميتهم، في حق المواطن
الذي ينشد النزاهة في التسيير والاستقامة في الأخلاق والإخلاص في المهام والصدق في
القول والعمل وتحقيق العدالة الاجتماعيّة بين النّاس أثناء ممارسة مهامهم الخطيرة ،
وأدائهم لوجباتهم نحو من انتخبوهم ، والتي لا يجد المواطن -البسيط والمسيس- أي أثر
لها على أرض الواقع ، والتي من دون شك، أن التاريخ سيحاسب أي مسؤول منهم على تهاونه
في مصلحة البلاد ومستقبل شعبها ، وعلى أي تقصير في حماية مصالحها التي ليست لعبة ،
مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم كلكم راع...الحديث.
ــــــــــ هوامش.
*القاسم الانتخابي: الذي ينص على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة قاسم
انتخابي، يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية على
عدد المقاعد المخصصة لها